للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُحِيلُهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ مِنَ الْغُرَمَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَأَعْيَانُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ، وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، قِيلَ: لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ،

الْغُفُولِ عَنِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِلتَّبَرُّعِ. وَاعْلَمْ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ حَمَلَ هَذَا الْوَجْهَ الثَّانِي فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عَلَى مَا حَمَلَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ؛ حَيْثُ قَالَ: وَالثَّانِيَةُ أَنَّ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ يُؤَدُّونَ إِلَى الْمُصَالِحِ نُصِيبَهُ نَقْدًا وَيُحِيلُ لَهُمْ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَتَضَرَّرُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنَ الدَّيْنِ، انْتَهَى.

وَلَكِنْ خَالَفَ فِي تَوْجِيهِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَشُرَّاحُ كِتَابِهِ قَاطِبَةً وَسَائِرُ الْمُحَقِّقِينَ كَصَاحِبِ الْكَافِي وَغَيْرِهِ؛ حَيْثُ قَالَ: الْحِيلَةُ الْأَوَّلُ أَنْ يَشْرُطُوا أَنَّ يُبْرِئَ الْمُصَالِحُ الْغُرَمَاءَ عَنْ حِصَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ وَيُصَالِحُ عَنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ بِمَالٍ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ فَائِدَةٌ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَا يَبْقَى لَهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ حَقٌّ لَا أَنَّ حِصَّتَهُ تَصِيرُ لَهُمْ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إِنَّمَا يُفِيدُ ثُبُوتَ الْفَائِدَةِ لِغُرَمَاءٍ لَا لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمُصَالِحِ عَلَى الْغُرَمَاءِ حَقٌّ يُسَهِّلُ لِلْغُرَمَاءِ أَدَاءَ حِصَصِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَيَحْصُلُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ فَائِدَةٌ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.

قُلْنَا: إِنْ حَصَلَ لَهُمْ فَائِدَةٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ يَحْصُلُ لَهُمُ الضَّرَرُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ حِصَّةَ الْمُصَالِحِ لَا تَضِيرُ لَهُمْ لَا أَنَّ حِصَّتَهُ تَصِيرُ لَهُمْ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ، فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ فِي تَعْلِيلِ فَائِدَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الْإِصْلَاحِ وَالْإِيضَاحِ زَادَ فِي الطُّنْبُورِ نَغَمَةً؛ حَيْثُ قَالَ فِي هَذَا الْمَقَامِ: وَفَى هَذَا الْوَجْهِ نَوْعُ ضَرَرٍ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ؛ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدَرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ، وَنَوْعِ نَفْعٍ لَهُمْ؛ حَيْثُ لَا يَبْقَى لِلْمُصَالِحِ حَقٌّ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَنُقْصَانُ ذَلِكَ الضَّرَرِ يُجْبِرُ بِهَذَا النَّفْعِ. وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: فِيهِ دَخَلٌ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ؛ حَيْثُ اعْتَبَرَ الضَّرَرَ الْمَذْكُورَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ النَّفْعَ، وَلِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ؛ حَيْثُ عَكَسَ، انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا بَحْثٌ؛ إِذْ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ عَدَمَ تَمَكُّنِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنَ الرُّجُوعِ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ وَضَيَاعَ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ مَالِ التَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ لَهُمْ لَا يَنْجَبِرُ بِمُجَرَّدِ أَنْ لَا يَبْقَى لِلْمُصَالِحِ حَقٌّ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ النَّفْعَ فِيهِ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ أَمْرٌ وَهْمِيٌّ مِنْ جِهَةِ تَأَدِّيهِ إِلَى سُهُولَةِ أَدَاءِ الْغُرَمَاءِ حِصَصَ بَاقِي الْوَرَثَةِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ؟ فَالْحَقُّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَأَعْيَانُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ. قِيلَ: لَا يَجُوزُ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا). بُيِّنَ هَذَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الشُّرُوحِ بِأَنْ كَانَ لَهُ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلَ الصُّلْحِ أَوْ أَقَلَّ، وَهَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا.

أَقُولُ: فِيهِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ لَا يُلْزِمُ الرِّبَا؛ إِذْ يَكُونُ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ بِمِثْلِهِ مَنْ بَدَلِ الصُّلْحِ، وَيَكُونُ زِيَادَةُ الْبَدَلِ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ كَمْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ، كَمَا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ فِضَّةً وَذَهَبًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا أَعْطَوْهُ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ حَتَّى يَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِحَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ احْتِرَازًا عَنِ الرِّبَا. فَالْحَقُّ فِي الْبَيَانِ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ بِأَنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ، وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ أَكْثَرُ وَلَقَدْ أَصَابَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ؛ حَيْثُ عَلَّلَ قَوْلَهُ: لِاحْتِمَالِ الرِّبَا، بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ كَيْلِيٌّ أَوْ وَزْنِيٌّ وَبَدَلُ الصُّلْحِ مِثْلُ نَصِيبِ الْمَصَالِحِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلُّ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى بَدَلِ الصُّلْحِ مِنْ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ يَكُونُ رِبًا، انْتَهَى. فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ الْقِلَّةَ فِي جَانِبِ بَدَلِ الصُّلْحِ لَا فِي جَانِبِ نَصِيبِ الْمُصَالِحِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَكْسِ مَا اعْتَبَرَهُ الْآخَرُونَ، وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْكَافِي تَنَبَّهَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْخَلَلِ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْمِثْلِ؛ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ هَذَا الْقَلِيلِ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ فَيَكُونُ رِبًا، انْتَهَى.

وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ قَيْدٌ أَوْ أَكْثَرُ، كَمَا نَبَّهَنَا عَلَيْهِ آنِفًا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَوْسِيعُ دَائِرَةِ احْتِمَالِ الرِّبَا، كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ أَوْ أَقَلَّ، فَفِيهِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَبِرَةٍ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الشُّرُوحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>