للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُخْرَى أَنْ يُعَجِّلُوا قَضَاءَ نَصِيبِهِ مُتَبَرِّعِينَ

، وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ. وَالْأَوْجُهُ أَنْ يُقْرِضُوا الْمُصَالِحَ مِقْدَارَ نَصِيبِهِ وَيُصَالِحُوا عَمَّا وَرَاءَ الدَّيْنِ.

الْكُتُبِ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ النَّظَرِ، كَمَا لَا يَخْفَى. وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ: إِنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَنْ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَقَلِّ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ حَالَةَ التَّصَادُقِ. وَأَمَّا حَالَةُ الْمُنَاكَرَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمُنَاكَرَةِ الْمُعْطِي يُعْطِي الْمَالَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَيَفْدِي بِهِ يَمِينَهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ الرِّبَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ. وَنُقِلَ عَنْهُمَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ: قَالَ أَبُو الْفَضْلِ - يَعْنِي الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ -: إِنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ نَصِيبِهَا مِنَ الْعَيْنِ فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ، أَمَّا فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ إِسْقَاطًا. ثُمَّ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُعَاوَضَةً فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا، انْتَهَى. وَهَكَذَا نُقِلَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِيخَانَ فِي فَتَاوَاهُ: قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ: إِنَّمَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلِّ مِنْ حِصَّتِهَا مِنْ مَالِ الرِّبَا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ. أَمَّا فِي حَالَةِ الْجُحُودِ وَالْمُنَاكَرَةِ يَجُوزُ الصُّلْحُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَالَةِ الْإِنْكَارِ مَا يُؤْخَذُ لَا يَكُونُ بَدَلًا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَقُولُ: فِي الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ قَاضِيخَانَ إِشْكَالٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ كَوْنِ الْمَأْخُوذِ بَدَلًا فِي حَقِّ الدَّافِعِ ظَاهِرٌ مُسَلَّمٌ، وَأَمَّا عَدَمُ كَوْنِ ذَلِكَ بَدَلًا فِي حَقِّ الْآخِذِ فَمَمْنُوعٌ.

فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّمَا لَا يَكُونُ الْمَأْخُوذُ بَدَلًا فِي حَقِّ الْآخِذِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ تَصْحِيحِ هَذَا الصُّلْحِ بِدُونِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَخْذِ عَيْنِ الْحَقِّ فِي قَدْرِ الْمَأْخُوذِ وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ فِي الْبَاقِي، كَمَا قَالُوا فِي الصُّلْحِ عَنِ الدَّيْنِ بِأَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ.

قُلْتُ: الْكَلَامُ فِي الصُّلْحِ عَنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ، وَالْإِبْرَاءُ عَنِ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ، فَلَوْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ هَذَا الصُّلْحِ فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ بَعْضِ الْحَقِّ وَإِسْقَاطِ بَعْضِهِ الْآخَرِ لَأَمْكَنُ تَصْحِيحُهُ فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ أَيْضًا بِذَلِكَ الطَّرِيقِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى قَطْعًا، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ إِمْكَانِ تَصْحِيحِهِ أَصْلًا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ. نَعَمْ بَقِيَ لَنَا الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ تَصْحِيحُ هَذَا الصُّلْحِ فِي الْحَالَتَيْنِ مَعًا بِحَمْلِهِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ دَعْوَى الْبَاقِي مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ لَا عَنْ نَفْسِ تِلْكَ الْأَعْيَانِ، وَالْبَاطِلُ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْوَجْهَيْنِ ضَرَرٌ بِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ) لِعَدَمِ رُجُوعِهِمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ. وَقَالُوا فِي سَائِرِ الشُّرُوحِ: أَمَّا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ بَقِيَّةَ الْوَرَثَةِ لَا يُمْكِنُهُمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لُزُومُ النَّقْدِ عَلَيْهِمْ بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ نَسِيئَةٌ وَالنَّقْدُ خَيْرٌ مِنَ النَّسِيئَةِ، انْتَهَى.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بَعْدَ نَقْلِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ عَنِ الْكِفَايَةِ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ، لَا مَا فِي سَائِرِ الشُّرُوحِ مِنْ لُزُومِ النَّقْدِ بِالنَّسِيئَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ إِذْ لَا نَسِيئَةَ عِنْدَ التَّبَرُّعِ، فَلْيُتَأَمَّلْ، انْتَهَى.

أَقُولُ: قَدْ يَكُونُ التَّبَرُّعُ فِي نَفْسِ الْمَالِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ عَلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ عَيْنَهُ وَلَا بَدَلَهُ مِنْ بَعْدُ، وَقَدْ يَكُونُ فِي نَقْدِهِ وَتَعْجِيلِهِ بِأَنْ يُعْطِيَهُ فِي الْحَالِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُوبِ إِعْطَائِهِ عَاجِلًا عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهُ أَوْ بَدَلَهُ فِي الْآجِلِ، فَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي: "مُتَبَرِّعِينَ"، مُحْتَمِلًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ صُورَتَيِ التَّبَرُّعِ حَمَلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ عَلَى الصُّورَةِ الْأَوْلَى لِتَبَادُرِهَا، فَفَسَّرَ ضَرَرَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا بِعَدَمِ رُجُوعِهِمْ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لِقِلَّةِ الضَّرَرِ فِيهَا وَتَفَاحُشِ الضَّرَرِ فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى، فَفَسَّرُوا الضَّرَرَ فِي الْوَجْهَيْنِ بِالْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفِينَ، فَقَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ: "إِذْ لَا نَسِيئَةَ فِي التَّبَرُّعِ"، نَاشِئٌ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>