وَلَا بُدَ مِنَ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ نَصِيبَهُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الصُّلْحِ عَرَضًا جَازَ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الرِّبَا، وَلَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَبَدَلُ الصُّلْحِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ أَيْضًا جَازَ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إِلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْبَيْعِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ لِلصَّرْفِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْمُصَالِحَ عَنْهُ وَيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ) لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ وَهُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ (وَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ مِنْهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ إِسْقَاطٌ وَهُوَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ جَائِزٌ، وَهَذِهِ حِيلَةُ الْجَوَازِ،
وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ خَالِيَةً عَنِ الْعِوَضِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَا أَعْطَوْهُ مِثْلَ نَصِيبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ تَبْقَى الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَأْخُوذِ مَنْ جَنْسِ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ خَالِيَةً عَنِ الْعِوَضِ، فَتَعَذَّرَ تَجْوِيزُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لِلُزُومِ الرِّبَا، وَلَا يَصِحُّ تَجْوِيزُهُ بِطَرِيقِ الْإِبْرَاءِ عَنِ الْبَاقِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ عَيْنٌ وَالْإِبْرَاءُ عَنِ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ. كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ.
أَقُولُ: عَدَمُ صِحَّةِ تَجْوِيزِ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِبْرَاءِ عَنِ الْبَاقِي مَنْظُورٌ فِيهِ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ نَفْسِ الْأَعْيَانِ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا إِلَّا أَنَّ الْبَرَاءَةَ عَنْ دَعْوَى الْأَعْيَانِ صَحِيحَةٌ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ. فَلَمْ يَصِحَّ تَجْوِيزُ الصُّلْحِ عَلَى الْأَقَلِّ أَوِ الْمُثُلِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي وَحَمْلِ كَلَامِ الْعَاقِلِ عَلَى الصِّحَّةِ وَاجِبٌ مَهْمَا أَمْكَنَ. فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ مَرَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوِ ادَّعَى دَارًا فَصَالَحَ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ مَا قَبَضَهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي وَمَا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ هُنَاكَ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَاهُنَا.
قُلْتُ: قَدْ مَرَّ أَيْضًا فِي الشُّرُوحِ هُنَاكَ أَنَّ مَا ذُكِرَ جَوَابُ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانَ أَيْضًا اخْتِلَافُ جَوَابِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَجَوَابِ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ. حَتَّى قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هُنَاكَ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَاقَى عَيْنًا، وَدَعْوَى وَالْإِبْرَاءِ عَنِ الدَّعْوَى صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ الْإِبْرَاءُ عَنِ الْعَيْنِ لَا يَصِحُّ. وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالْجَوَابُ عَدَمِ صِحَّةِ الصُّلْحِ رِوَايَةً وَاحِدَةً لَا غَيْرَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي جَمِيعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute