وَكَذَا إِذَا رَدَّ بَعْضَهُ وَاشْتَرَى بِبَعْضِهِ فِي الْمِصْرِ كَانَ الْمَرْدُودُ وَالْمُشْتَرَى فِي الْمِصْرِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِمَا قُلْنَا، ثُمَّ شَرَطَ الشِّرَاءَ بِهَا هَاهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ ضَمِنَهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ بِالشِّرَاءِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ لِزَوَالِ احْتِمَالِ الرَّدِّ إِلَى الْمِصْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ، أَمَّا الضَّمَانُ فَوُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ الشِّرَاءَ لِلتَّقَرُّرِ لَا لِأَصْلِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ فِي سُوقِ الْكُوفَةِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ التَّقْيِيدُ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُفِيدُ التَّقْيِيدُ، إِلَّا إِذَا صَرَّحَ بِالنَّهْيِ بِأَنْ قَالَ اعْمَلْ فِي السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِ السُّوقِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجْرِ وَالْوِلَايَةُ إِلَيْهِ
رَجْعُ الْمَالِ مُضَارَبَةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا زَائِلَةٌ، وَإِذَا زَالَ الْعَقْدُ لَا يَرْجِعُ إِلَّا بِالتَّجْدِيدِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ عَلَيَّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعُ الصَّغِيرِ لَمْ يَزَلْ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالشِّرَاءِ وَالْفَرْضِ خِلَافُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ رَجْعٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَارَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهَا زَالَتْ زَوَالًا مَوْقُوفًا؛ حَيْثُ ضَمَّنَهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ، اهـ.
أَقُولُ: قَوْلُهُ: إِنَّهُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَزَلْ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالشِّرَاءِ مُخَالِفٌ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنَّفُ وَغَيْرُهُ فِيمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ شَرْطَ الشِّرَاءِ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِتُقَرِّرَ الضَّمَانَ لَا لِأَصِلِ وُجُوبِهِ، وَإِنَّمَا وُجُوبُهُ بِنَفْسِ الْإِخْرَاجِ؛ إِذْ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ الْخِلَافُ بِمُجَرَّدِ الْإِخْرَاجِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْضًا، فَالْحَقُّ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُكْتَفَى بِأَنْ يُقَالَ: إِنِ الْمُضَارَبَةَ زَائِلَةٌ بِالْإِخْرَاجِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِ وَرَدَّ الْمَالَ إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ رَبُّ الْمَالِ سَقَطَ الضَّمَانُ وَعَادَتِ الْمُضَارَبَةُ إِلَى أَصْلِهَا، وَالْعَقْدُ إِنَّمَا لَا يَرْجِعُ إِلَّا بِالتَّجْدِيدِ فِيمَا إِذَا زَالَ زَوَالًا مَقْطُوعًا غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى شَيْءٍ.
(قَوْلُهُ: إِلَّا إِذَا صَرَّحَ بِالنَّهْي بِأَنْ قَالَ: اعْمَلْ فِي السُّوقِ وَلَا تَعْمَلْ فِي غَيْرِ السُّوقِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجَرِ وَالْوِلَايَةِ إِلَيْهِ). قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا تَبِعْ بِالنَّقْدِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ؛ حَيْثُ لَوْ بَاعَ بِالنَّقْدِ أَوْ بِالنَّسِيئَةِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا مَعَ صَرِيحِ النَّهْيِ إِذَا كَانَ السِّعْرُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ لَا يَتَفَاوَتُ قُلْنَا: هَذَا مُخَالَفَةٌ بِالْخَيْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute