للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَعْنَى التَّخْصِيصِ أَنْ يَقُولَ لَهُ عَلَى أَنْ تَعْمَلَ كَذَا أَوْ فِي مَكَانِ كَذَا، وَكَذَا إِذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ تَعْمَلُ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لَهُ، أَوْ قَالَ فَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْوَصْلِ أَوْ قَالَ خُذْهُ بِالنِّصْفِ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ، أَمَّا إِذَا قَالَ خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ بِالْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ،

فَلَا يَكُونُ مُخَالَفَةً خِلَافًا لِزَفْرٍ، وَهَذَا، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لَزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ بِالْخَيْرِ، اهـ.

أَقُولُ: فِي كُلٍّ وَاحِدٍ مِنَ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ خَبْطٌ. أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: "أَوْ عَلَى الْعَكْسِ"، غَيْرَ صَحِيحٍ؛ إِذْ لَمْ يَذْكُرْ كَوْنُ الْجَوَابِ فِي عَكْسِ قَوْلِهُ: بِعْ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا تَبِعْ بِالنَّقْدِ، كَالْجَوَابِ فِيهِ لَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ: هَذَا مُخَالَفَةٌ بِالْخَيْرِ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ بَعْدَ دَرْجِ الْعَكْسِ الْمَذْكُورِ فِي الْإِشْكَالِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالنَّقْدِ مُخَالَفَةً بِالْخَيْرِ فِيمَا إِذَا كَانَ السِّعْرُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ غَيْرَ مُتَفَاوِتٍ لَمْ يُتَصَوَّرْ كَوْنُ الْبَيْعِ بِالنَّسِيئَةِ فِي الْعَكْسِ مُخَالَفَةٌ بِالْخَيْرِ أَيْضًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا، فَالصَّوَابُ أَنْ يَطْرَحَ حَدِيثُ الْعَكْسِ فِي السُّؤَالِ، كَمَا فَعَلَهُ غَيْرُهُ.

(قَوْلُهُ: وَمَعْنَى التَّخْصِيصُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: عَلَى أَنْ تَعْمَلَ كَذَا أَوْ فِي مَكَانِ كَذَا … إِلَخْ). يَعْنِي: أَنَّ مَعْنَى التَّخْصِيصِ يَحْصُلُ بِأَنْ يَقُولَ: كَذَا وَكَذَا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَمَقْصُودُهُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يُفِيدُ التَّخْصِيصُ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَمَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ مِنْهَا. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ عَلَى مَا عُيِّنُوا ثَمَانِيَةٌ: سِتَّةٌ مِنْهَا تُفِيدُ التَّخْصِيصَ فَتُعْتَبَرُ شَرْطًا، وَاثْنَانِ مِنْهَا لَا تُفِيدُهُ فَتُعْتَبَرُ مَشُورَةً. وَالضَّابِطُ فِي التَّمْيِيزِ مَا يُفِيدُ التَّخْصِيصَ عَمَّا لَا يُفِيدُهُ هُوَ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ مَتَى ذَكَرَ عَقِيبَ الْمُضَارَبَةِ مَا لَا يَصِحُّ التَّلَفُّظُ بِهِ ابْتِدَاءٌ وَيَصِحُّ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ يُجْعَلُ مُتَعَلِّقًا بِهِ لِئَلَّا يَلْغُو، وَمَتَى ذَكَرَ عَقِيبُهَا مَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ لَا يُجْعَلُ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ. هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا فِي جُمْلَةِ الشُّرُوحِ وَالْكَافِي.

أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ رَبِّ الْمَالِ: خُذْ هَذَا الْمَالَ تَعْمَلُ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِرَفْعِ تَعْمَلُ وَبِجَزْمِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ الَّتِي تُفِيدُ التَّخْصِيصَ مَعَ أَنَّهُ يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِتَعْمُلُ مَرْفُوعًا عَلَى أَنْ يُجْعَلَ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا، كَمَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِاللَّفْظَيْنِ اللَّذَيْنِ حَصَرُوا فِيهِمَا مَا يَصِحُّ الِابْتِدَاءُ بِهِ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُمَا قَوْلُهُ: وَاعْمَلْ بِهِ بِالْوَاوِ، وَقَوْلُهُ: اعْمَلْ بِهِ بِغَيْرِ الْوَاوِ فَعَلَى مُقْتَضَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: تَعْمَلُ بِهِ فِي الْكُوفَةِ بِالرَّفْعِ مِمَّا لَا يُفِيدُ التَّخْصِيصَ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا إِذَا قَالَ: خُذْ هَذَا الْمَالَ وَاعْمَلْ بِهِ فِي الْكُوفَةِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشُورَةِ). فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا لَمْ تَجْعَلِ الْوَاوَ لِلْحَالِ، كَمَا فِي قَوْلُهُ: أَدِّ إِلَيَّ أَلْفًا وَأَنْتَ حُرُّ. قُلْنَا: لِأَنَّهُ غَيْرَ صَالِحٍ لِلْحَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>