فَلَيْسَتْ نَفَقَتُهُ فِي الْمَالِ، وَإِنْ سَافَرَ فَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ وَرُكُوبُهُ) وَمَعْنَاهُ شِرَاءٌ وَكِرَاءٌ فِي الْمَالِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِإِزَاءِ الِاحْتِبَاسِ كَنَفَقَةِ الْقَاضِي وَنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ، وَالْمُضَارِبُ فِي الْمِصْرِ سَاكِنٌ بِالسُّكْنَى الْأَصْلِيِّ، وَإِذَا سَافَرَ صَارَ مَحْبُوسًا بِالْمُضَارَبَةِ فَيَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِيهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَجِيرِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْبَدَلَ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَتَضَرَّرُ بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ، أَمَّا الْمُضَارِبُ فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الرِّبْحُ وَهُوَ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ، فَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَبِخِلَافِ الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَبِخِلَافِ الْبِضَاعَةِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ.
قَالَ (فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا قَدِمَ مِصْرَهُ رَدَّهُ فِي الْمُضَارَبَةِ) لِانْتِهَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَوْ كَانَ خُرُوجُهُ دُونَ السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَغْدُو ثُمَّ يَرُوحُ فَيَبِيتُ بِأَهْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السُّوقِيِّ فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَبِيتُ بِأَهْلِهِ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْمُضَارَبَةِ، وَالنَّفَقَةُ هِيَ مَا يُصْرَفُ إِلَى الْحَاجَةِ الرَّاتِبَةِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْ ذَلِكَ غَسْلُ ثِيَابِهِ وَأُجْرَةُ أَجِيرٍ يَخْدُمُهُ وَعَلَفُ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا وَالدُّهْنُ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ عَادَةً كَالْحِجَازِ، وَإِنَّمَا يُطْلَقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى يَضْمَنَ الْفَضْلَ إِنْ جَاوَزَهُ اعْتِبَارًا لِلْمُتَعَارَفِ بَيْنَ التُّجَّارِ. قَالَ (وَأَمَّا الدَّوَاءُ فَفِي مَالِهِ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ بَدَنِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ التِّجَارَةِ إِلَّا بِهِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى النَّفَقَةِ مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ وَإِلَى الدَّوَاءِ بِعَارِضِ الْمَرَضِ، وَلِهَذَا كَانَتْ نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى
الْمَالِ تَصَرَّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَيَكُونُ مُسْتَرِدًّا لِلْمَالِ وَلِهَذَا لَا يَصْلُحُ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً.
أَقُولُ: هَذَا الشَّرْحُ لَا يُطَابِقُ الْمَشْرُوحَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ عِلَّةَ فَسَادِ الْمُضَارَبَةِ عِنْدَ زُفَرَ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ كَوْنُ تَصَرُّفِ رَبِّ الْمَالِ فِي مَالِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَصْرِيحِ الْمُضَارِبِ بِالتَّوْكِيلِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوْ صَرَّحَ بِالتَّوْكِيلِ تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ عِنْدَهُ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ مِنَ الشُّرُوحِ أَنَّ عِلَّةَ ذَلِكَ عِنْدَهُ كَوْنُ رَبِّ الْمَالِ مُتَصَرِّفًا فِي مَالِ نَفْسِهِ غَيْرُ صَالِحٍ لِأَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَصْلُحُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيمَا يَعْمَلُ فِي مَلِكِ نَفْسِهِ، وَلَقَدْ أَفْصَحَ عَنْهُ صَاحِبُ الْكَافِي؛ حَيْثُ قَالَ: قَالَ زُفَرُ: تَفْسُدُ الْمُضَارَبَةُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ وَكِيلًا فِيهِ، فَإِنَّ الْمَرْءَ فِيمَا يَعْمَلُ فِي مِلْكِهِ لَا يَصْلُحُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute