(فَصْلٌ آخَرٌ)
قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهَا بَزًّا فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا فَلَمْ يَنْقُدْهُمَا حَتَّى
كَوْنِهِ غَاصِبًا، أَنَّهُ اخْتَارَ كَوْنَهُ غَيْرَ مَأْذُونٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ غَاصِبًا إِنَّمَا جُعِلَ فِيمَا قَبْلُ فَرْعًا لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَأْذُونٍ: فَتَعْلِيلُ انْدِفَاعِ ذَلِكَ بِتَبَيُّنِ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ غَاصِبًا يَقْتَضِي اخْتِيَارَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَأْذُونٍ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ قَوْلِهِ: لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمُضَارَبَةِ … إِلَخْ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ إِنَّمَا جُعِلَ فِيمَا قَبْلُ فَرْعًا لِكَوْنِهِ مَأْذُونًا، فَإِذَا اخْتَارَ كَوْنَهُ غَيْرَ مَأْذُونٍ كَانَ اسْتِدْرَاكُ عَدَمِ وُقُوعِهِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ مُسْتَدْرَكًا.
فَإِنْ قُلْتَ: مُرَادُهُ أَنَّ لِفِعْلِ الْمُضَارِبِ هَاهُنَا وَهُوَ صَبْغُهَا أَحْمَرَ جِهَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ أُولَاهُمَا خَلْطُ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ، وَثَانِيَتُهُمَا الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْمَالِكِ، وَأَنَّ الْمُضَارِبَ مَأْذُونٌ بِهَذَا الْفِعْلِ وَغَيْرُ مَأْذُونٍ بِاعْتِبَارِ تَيْنِكَ الْجِهَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ، كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَفَصَّلَهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: مَعَ عَدَمِ مُسَاعَدَةِ آخِرِ كَلَامِ هَذَا الشَّارِحِ، وَلَا أَوَّلِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَبِهَذَا انْدَفَعَ لِذَلِكَ التَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَفَصَّلَهُ لَيْسَ ذَلِكَ بِتَامٍّ فِي نَفْسِهِ؛ إِذْ لَا يُرَى وَجْهٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِفِعْلِ الْمُضَارِبِ هَذَا جِهَةُ الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْمَالِكِ عَلَى أَنَّ الْجِهَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مُتَضَادَّتَانِ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَصِيرَ الْمُضَارِبُ بِاعْتِبَارِهِمَا مَأْذُونًا فِي فِعْلِهِ هَذَا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ.
ثُمَّ أَقُولُ: الصَّوَابُ عِنْدِي فِي دَفْعِ مَا قِيلَ: الْمُضَارِبُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِهَذَا الْفِعْلِ مَأْذُونًا أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ … إِلَخْ. أَنْ نَخْتَارَ كَوْنَهُ مَأْذُونًا بِهِ بِقَوْلِهِ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ وَيُمْنَعُ وُقُوعُهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ حِينَئِذٍ؛ إِذِ الْإِذْنُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُضَارِبُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَحْدَهُ، بَلْ يَعُمُّ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُنْضَمًّا إِلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَهُ جِهَةٌ فِي التَّثْمِيرِ كَخَلْطِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي بَيَانِ النَّوْعِ الثَّانِي مِنَ الْأَصْلِ الْمَارِّ ذِكْرُهُ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ: وَإِذَا صَارَ شَرِيكًا بِالصَّبْغِ انْتَظَمَهُ قَوْلُهُ: اعْمَلْ بِرَأْيِكَ انْتِظَامَهُ الْخُلْطَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ تَدَبَّرْ.
(فَصْلٌ آخَرُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute