لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ وَهُوَ يُنْكِرُ. وَلَوِ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ الْمُضَارَبَةَ فِي نَوْعٍ وَقَالَ الْآخَرُ: مَا سَمَّيْتَ لِي تِجَارَةً بِعَيْنِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْعُمُومُ وَالْإِطْلَاقُ، وَالتَّخْصِيصُ يُعَارِضُ الشَّرْطَ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْخُصُوصُ. وَلَوِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوْعًا فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى التَّخْصِيصِ، وَالْإِذْنُ
وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ سَمَّاهُ مُضَارِبًا لِلْمُشَاكَلَةِ بِمَا ذَكَرَ فِي أَخَوَاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْله تَعَالَى: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ﴾ وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَالُوا: اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ … قُلْتُ اطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ) حَمَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ التَّمَلُّكَ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمَلُّكَ عَلَى تَمَلُّكِ الرِّبْحِ؛ حَيْثُ قَالَ هَذَا، أَيْ: تَمَلُّكَ الرِّبْحِ، وَسَلَكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا هَذَا الْمَسْلَكَ؛ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ يَدَّعِي تَمَلُّكَ الرِّبْحِ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالتَّمَلُّكِ هَاهُنَا تَمَلُّكُ أَصْلِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الِاسْتِقْرَاضِ دَعْوَى تَمَلُّكِ أَصْلِ الْمَالِ وَأَمَّا تَمَلُّكُ الرِّبْحِ فَأَمْرٌ تَابِعٌ لِتَمَلُّكِ أَصْلِ الْمَالِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، فَحَمْلُ التَّمَلُّكِ هَاهُنَا عَلَى تَمَلُّكِ الرِّبْحِ لَا يَخْلُو عَنْ قُبْحٍ.
أَمَّا أَوَّلًا: فَلِمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي دَعْوَى الِاسْتِقْرَاضِ دَعْوَى تَمَلُّكِ أَصْلِ الْمَالِ وَتَمَلُّكُ الرِّبْحِ مِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ، وَحَمْلُ التَّمَلُّكِ فِي الدَّلِيلِ عَلَى تَمَلُّكِ الرِّبْحِ يُوهِمُ خِلَافَ الْأَصْلِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا: فَلِأَنَّ دَعْوَى تَمَلُّكِ الرِّبْحِ قَدْ تَنْفَكُّ عَنْ دَعْوَى تَمَلُّكِ أَصْلِ الْمَالِ، كَمَا إِذَا ادَّعَى الْمُضَارَبَةَ، فَإِنَّ الْمُدَّعَى هُنَاكَ اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ دُونَ اسْتِحْقَاقِ أَصْلِ الْمَالِ فَادِّعَاءُ مُجَرَّدِ تَمَلُّكِ الرِّبْحِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَمَامِ الْمُدَّعَى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، عَلَى أَنَّ الشَّائِعَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَهُمُ اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ دُونَ تَمَلُّكِ الرِّبْحِ.
وَأَمَّا تَمْلِيكُ الرِّبْحِ، كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَفِي نَفْسِ صِحَّتِهِ أَيْضًا إِشْكَالٌ يَظْهَرُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute