للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِحَاجَتِهِ إِلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إِلَى الْبَيِّنَةِ، وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى لِأَنَّ آخِرَ الشَّرْطَيْنِ يَنْقُضُ الْأَوَّلَ.

كُلُّهُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ وَتَتَبُّعِ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ. (قَوْلُهُ: وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِحَاجَتِهِ إِلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إِلَى الْبَيِّنَةِ). قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَرَبُّ الْمَالِ أَيْضًا مُحْتَاجٌ إِلَى إِثْبَاتِ مَا ادَّعَاهُ لِيَصِلَ حَقُّهُ إِلَيْهِ، بَلْ بَيِّنَةُ رَبِّ الْمَالِ أَقْوَى بِالْقَبُولِ لِإِثْبَاتِهَا أَمْرًا عَارِضًا وَهُوَ الضَّمَانُ، وَشَرْعِيَّةُ الْبَيِّنَاتِ لِإِثْبَاتِ الْأَمْرِ الْعَارِضِ غَيْرِ الظَّاهِرِ، كَمَا فِي بَيِّنَةِ الْخَارِجِ مَعَ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فَكَانَ هَذَا مِمَّا يُتَأَمَّلُ فِي صِحَّتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الْإِيضَاحِ تُسَاعِدُهُ أَيْضًا، اهـ كَلَامُهُ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَالَ الْمُصَنِّفُ: لِحَاجَتِهِ إِلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ حَاجَةِ الْآخَرِ إِلَى الْبَيِّنَةِ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْإِثْبَاتِ لَا لِلنَّفْيِ، وَبِأَنَّ الْآخَرَ يَدَّعِي الضَّمَانَ فَكَيْفَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْبَيِّنَةِ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ تَصْرُّفِهِ وَيَلْزَمُهَا نَفْيُ الضَّمَانِ. فَأَقَامَ الْمُصَنِّفُ اللَّازِمَ مَقَامَ الْمَلْزُومِ كِنَايَةً، وَبِأَنَّ مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ ثَابِتٌ بِإِقْرَارِ الْآخَرِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ إِلَى هُنَا كَلَامُهُ.

أَقُولُ: جَوَابُهُ عَنْ ثَانِي وَجْهَيِ الِاعْتِرَاضِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِإِقْرَارِ الْآخَرِ إِنَّمَا هُوَ النَّوْعُ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْآخَرُ لَا مُخَالَفَتُهُ لِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَدَّعِي الْمُوَافَقَةَ لَهُ، وَسَبَبُ الضَّمَانِ إِنَّمَا هُوَ الْمُخَالَفَةُ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ.

وَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ: عَدَمُ احْتِيَاجِ رَبِّ الْمَالِ إِلَى الْبَيِّنَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُدَّعٍ شَيْئًا، بَلْ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لِكَوْنِ الْإِذْنِ مُسْتَفَادًا مِنْ جِهَتِهِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا، فَكَانَ مَا يَدَّعِيهِ ثَابِتًا بِقَوْلِهِ: فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الْبَيِّنَةِ، وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَعَدَمُ حَاجَةِ الْآخَرِ إِلَى الْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَقُلْ: وَعَدَمُ قَبُولِ بَيِّنَةِ الْآخَرِ وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَظْهَرُ انْدِفَاعُ مَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي اسْتِشْكَالِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا فَصَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ أَوْلَى).

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرَهُ آنِفًا مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ رَبَّ الْمَالِ. وَيُمْكِنُ التَّطْبِيقُ بِأَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَلَى عَدَمِ التَّوْقِيتِ. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ … إِلَخْ. وَإِنْ لَمْ تُوَقَّتَا أَوْ وَقَّتَتَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ وَقَّتَتْ إِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى فَالْبَيِّنَةُ لِرَبِّ الْمَالِ.

أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى التَّوْقِيتِ وَذَاكَ عَلَى عَدَمِ التَّوْقِيتِ، كَمَا تَرَى. وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي أُسْلُوبِ التَّحْرِيرِ هَاهُنَا؛ حَيْثُ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ … إِلَخْ. شَيْئًا مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي زَادَهَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، بَلْ تَعَرَّضَ لِشَرْحِهِ وَتَمْثِيلِهِ فَقَطْ، وَلَكِنْ قَالَ بَعْدَمَا اسْتَشْكَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فِيمَا قَبْلُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ

إِلَخْ.

وَأَمَّا صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَشَكَرَ مَسَاعِيَهُ جَعَلَ حُكْمَ بَيِّنَتَيِ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَالِ فِي دَعْوَى الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ وَفِي دَعْوَاهُمَا الْخُصُوصَ وَاحِدًا، وَذَكَرَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مُفَصَّلًا مُنْدَرِجًا فِيهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَقِيبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَوْ وَقَّتَتِ الْبَيِّنَتَانِ … إِلَخْ. فَكَانَ ذِكْرُ تِلْكَ الْمَسَائِلِ فِي تَحْرِيرِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ مَنْسُوبًا إِلَى صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ، فَلَا يَضُرُّهُ مُنَافَاةُ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَاهُنَا مُطَابِقٌ لِرِوَايَةِ الْإِيضَاحِ دُونَ رِوَايَةِ الذَّخِيرَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>