وَلِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنَ الدَّفْعِ إِلَى عِيَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُلَازَمَةُ بَيْتِهِ وَلَا اسْتِصْحَابُ الْوَدِيعَةِ فِي خُرُوجِهِ فَكَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ (فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُمْ ضَمِنَ) لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ، وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ، وَلِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ، وَالْوَضْعُ فِي حِرْزِ غَيْرِهِ إِيدَاعٌ، إِلَّا إِذَا اسْتَأْجَرَ الْحِرْزَ فَيَكُونُ حَافِظًا بِحِرْزِ نَفْسِهِ. قَالَ (إِلَّا أَنْ يَقَعَ فِي دَارِهِ حَرِيقٌ فَيُسَلِّمَهَا إِلَى جَارِهِ أَوْ يَكُونَ فِي سَفِينَةٍ فَخَافَ الْغَرَقَ فَيُلْقِيَهَا إِلَى سَفِينَةٍ أُخْرَى) لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَرْتَضِيهِ الْمَالِكُ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةً مُسْقِطَةً لِلضَّمَانِ بَعْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ فَصَارَ كَمَا إِذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ.
قَالَ (فَإِنْ طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَحَبَسَهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهَا ضَمِنَهَا) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْمَنْعِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا طَالَبَهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِإِمْسَاكِهِ
أَقُولُ: دَفَعَ هَذَا سَهْلٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَمَانَةِ إِنْ كَانَ عَلَمًا لِمَا هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ كَانَ مِنْ أَعْلَامِ الْأَجْنَاسِ، كَأُسَامَةَ فَإِنَّهُ عَلَمٌ لِجِنْسِ الْأَسَدِ، وَسُبْحَانَ فَإِنَّهُ عَلَمٌ لِجِنْسِ التَّسْبِيحِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي كُتُبِ النَّحْوِ وَبَيَّنُوا دُخُولَهَا فِي تَعْرِيفِ الْعَلَمِ بِمَا وُضِعَ لِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ غَيْرَهُ بِوَضْعٍ وَاحِدٍ فَمَنْ أَتْقَنَ مَبَاحِثَ ذَلِكَ فِي مَحَالِّهَا لَا يُشْتَبَهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنَ الدَّفْعِ إِلَى عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ مُلَازِمَةُ بَيْتِهِ، وَلَا اسْتِصْحَابُ الْوَدِيعَةِ فِي خُرُوجِهِ فَكَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ).
أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَكَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ مَدَارِ جَوَازِ دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إِلَى عِيَالِهِ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي عَدَمُ جَوَازِ دَفْعِهَا إِلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَالِكَ إِذَا نُهِيَ عَنْ دَفْعِهَا إِلَى أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إِلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ.
فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَدَارَ ذَلِكَ هُوَ الضَّرُورَةُ، كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ لَا يَجْدُ بُدًّا مِنَ الدَّفْعِ إِلَى عِيَالِهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُتْرَكَ فَكَانَ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ وَيُقَالَ بَدَلُهُ، فَإِنَّ امْتِنَاعَ الْحِفْظِ بِعِيَالِهِ يَقْتَضِي سَدَّ بَابِ الْوَدَائِعِ وَتَعَطُّلِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ، كَمَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْإِمَامِ الزَّاهِدِيِّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ حَفِظَهَا بِغَيْرِهِمْ أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُمْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِيَدِهِ لَا بِيَدِ غَيْرِهِ، وَالْأَيْدِي تَخْتَلِفُ فِي الْأَمَانَةِ).
أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَ أَيْضًا إِذَا حَفِظَهَا بِيَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute