بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا. قَوْلُهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ.
أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ قَوْلِ أبي حنيفة فَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلَى تَرْتِيبِ الْكِتَابِ تَأَمَّلْ تَقَفَّ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ، أَيْ: حَقَّ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) فَلَا يَكُونُ هَذَا تَصَرُّفًا فِي حَقِّ الْغَيْرِ، بَلْ يَكُونُ الْمَدْيُونُ مُتَصَرِّفًا فِي مَالِ نَفْسِهِ، فَيَجُوزُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ هَذَا الْمَقَامَ أَوَّلًا هَكَذَا: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْمَرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالدَّفْعِ إِلَى مَنْ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، انْتَهَى.
أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ مَأْمُورٌ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالدَّفْعِ إِلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا إِلَى مَنْ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَدْيُونِ قَضَاءَ دَيْنِهِ، فَلَمَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ قَضَاءُ الدَّيْنَ بِعَيْنِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى بِمِثْلِهِ وَجَبَ عَلَى الْمَدْيُونِ لِلدَّائِنِ دَفْعُ مِثْلِ دَيْنِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إِلَى دَائِنِهِ، فَكَانَ مَأْمُورًا بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَيْسَ كُلُّ مَا يَجِبُ عَلَى إِنْسَانٍ لِإِنْسَانٍ دَفْعَ عَيْنِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ دَفْعُ مِثْلِهِ وَبَدَلِهِ، كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا مَحْذُورَ قَطْعًا. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي حَقِّهِ لِلشَّرِيكِ لَا لِلْمَدْيُونِ، كَمَا وَقَعَ فِي الشُّرُوحِ، وَمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ يُطَالِبُ الْمَدْيُونَ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ، أَيْ: بِقَضَاءِ حَقِّهِ، وَحَقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا وَالْمِثْلُ مَالُ الْمَدْيُونِ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَالْقَضَاءُ إِنَّمَا يَقَعُ بِالْمُقَاصَّةِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ لَا يُسَاعِدُهُ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي حَقِّهِ لَوْ كَانَ لِلشَّرِيكِ دُونَ الْمَدْيُونِ لَمْ يَتِمَّ اسْتِدْلَالُهُ عَلَى قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ حَقِّهِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا؛ إِذْ كَوْنُ قَضَاءِ الدُّيُونِ بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَ يُطَالِبُ الْمَدْيُونَ بِتَسْلِيمِ حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ مَالُ الْمَدْيُونِ فَلَمْ يَكُنْ حَقُّ الشَّرِيكِ بَلْ كَانَ حَقُّ الْمَدْيُونِ، فَقَضَاءُ الدَّيْنِ بِالْمِثْلِ لَا يَكُونُ تَسْلِيمَ حَقِّ الشَّرِيكِ بَلْ يَكُونُ تَسْلِيمَ حَقِّ الْمَدْيُونِ، وَهَذَا مِمَّا لَا سُتْرَةَ بِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا تَوَهَّمَهُ فِي نَظَرِهِ السَّابِقِ مِنْ لُزُومِ كَوْنِ الْإِنْسَانِ مَأْمُورًا بِالتَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِالدَّفْعِ إِلَى مَنْ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْلَى بِالْوُرُودِ عَلَى تَقْدِيرِ نَفْسِهِ بِدُونِ مُلَاحَظَةِ مَا ذَكَرْنَا فِي سُقُوطِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَحَقُّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا، وَالْمِثْلُ مَالُ الْمَدْيُونِ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ـ وَالْقَضَاءُ إِنَّمَا يَقَعُ بِالْمُقَاصَّةِ، انْتَهَى.
وَهَذَا أَحَقُّ بِمَا تَوَهَّمَهُ، كَمَا تَرَى وَالْمَدْفَعُ مَا أَوْضَحْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. (قَوْلُهُ: قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ)، أَيْ: قَوْلَ الْخَصْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَهُوَ الْإِمَامَانِ عَلَى مَا مَرَّ. وَقَدْ تَعَسَّفَ فِيهِ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ؛ حَيْثُ قَالَ: وَالضَّمِيرُ فِي "قَوْلِهِ " يَرْجِعُ إِلَى الْقَائِلِ الْمَعْهُودِ فِي الذِّهْنِ، أَيْ قَوْلُ الْقَائِلِ نُصْرَةٌ لِقَوْلِهِمَا كَذَا، انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَأَمَّا سَائِرُ الشُّرَّاحِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِتَوْجِيهِ إِفْرَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute