قَالَ (وَمَنْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً فَأَوْدَعَهَا آخَرَ فَهَلَكَتْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْأَوَّلَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الثَّانِيَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ) لَهُمَا أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ ضَمِينٍ فَيُضَمِّنُهُ كَمُودَعِ الْغَاصِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَرْضَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُتَعَدِّيًا بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّانِي بِالْقَبْضِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ ضَمَّنَ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ أَوْدَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنَ الْعُهْدَةِ، وَلَهُ أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مِنْ يَدِ أَمِينٍ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ لَا يَضْمَنُ مَا لَمْ يُفَارِقْهُ لِحُضُورِ رَأْيِهِ فَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُمَا فَإِذَا فَارَقَهُ فَقَدْ تَرَكَ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ فَيَضْمَنُهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا الثَّانِي فَمُسْتَمِرٌّ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ فَلَا يَضْمَنُهُ كَالرِّيحِ إِذَا أَلْقَتْ فِي حِجْرِهِ ثَوْبَ غَيْرِهِ
قَالَ: (وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَلْفٌ فَادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَهُ أَوْدَعَهَا إِيَّاهُ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا
تَجْوِيزَ أَخْذِ الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُودَعِ بِدُونِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُودَعَ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ إِلَيْهِ عِنْدَ أبي حنيفة لَمَا احْتِيجَ فِي الْجَوَابِ مِنْ قِبَلِهِ عَنْ قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إِلَى التَّشَبُّثِ بِحَدِيثِ أَنْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ جَوَازِ الْأَخْذِ أَنْ يُجْبِرَ الْمُودَعَ عَلَى الدَّفْعِ، بَلْ لِمَا أَفَادَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَقْصُودُ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ فِي الْجَوَابِ مِنْ قِبَلِهِ عَنْ قَوْلِهِمَا الْمَذْكُورِ مَنْعَ جَوَازِ الْأَخْذِ أَيْضًا فَالْجَوَابُ الْمَزْبُورُ أَيْضًا إِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى مَا ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِرِوَايَةِ كِتَابِ الدَّعْوَى، كَمَا سَمِعْتُ فِيمَا مَرَّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِمَا: وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَكَذَا هُوَ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي أَيْدِي الشَّرِيكَيْنِ كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْآخَرِ، فَكَذَا هُنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنَ الْمُودَعِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْجَوَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute