فَيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ، وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُجَّةِ كَمَا إِذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَيَغْرَمُ أَلْفًا أُخْرَى بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَذْلِهِ أَوْ بِإِقْرَارِهِ وَذَلِكَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ، وَبِالصَّرْفِ إِلَيْهِمَا صَارَ قَاضِيًا نِصْفَ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ بِنِصْفِ حَقِّ الْآخَرِ فَيَغْرَمُهُ، فَلَوْ قَضَى الْقَاضِي لِلْأَوَّلِ حِينَ نَكَلَ ذَكَرَ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِلثَّانِي وَإِذَا نَكَلَ يَقْضِي بِهَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِلْأَوَّلِ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي لِأَنَّهُ يُقَدِّمُهُ إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْقُرْعَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ حَقَّ الثَّانِي.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِلْأَوَّلِ، وَوَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْعَبْدِ وَإِنَّمَا نَفَذَ لِمُصَادَفَتِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَقْضِي لِلْأَوَّلِ وَلَا يَنْتَظِرُ لِكَوْنِهِ إِقْرَارَ دَلَالَةٍ ثُمَّ لَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي مَا هَذَا الْعَبْدُ لِي لِأَنَّ نُكُولَهُ لَا يُفِيدُ بَعْدَمَا صَارَ لِلْأَوَّلِ، وَهَلْ يُحَلِّفُهُ بِاللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْكَ هَذَا الْعَبْدُ وَلَا قِيمَتُهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا أَقَلَّ مِنْهُ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودَعَ إِذَا أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ وَدَفَعَ بِالْقَضَاءِ إِلَى غَيْرِهِ يَضْمَنُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُ وَهَذِهِ فُرَيْعَةُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ الْإِطْنَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْقَضَاءِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَقْضِيَ بِالْأَلْفِ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلثَّانِي أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لِلثَّانِي فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْأَلْفُ كُلُّهُ لِلْأَوَّلِ، وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا انْتَهَى. أَقُولُ: لَا صِحَّةَ لِقَوْلِهِ أَوْ لِلثَّانِي إذْ لَا احْتِمَالَ لِلْقَضَاءِ بِالْأَلْفِ بَعْدَ نُكُولِ ذِي الْيَدِ الْأَوَّلِ وَالْكَلَامُ فِيهِ، فَالْمُحْتَمَلُ هُنَا وَجْهَانِ لَا غَيْرُ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّعْلِيلِ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَالْأَلْفُ كُلُّهُ لِلْأَوَّلِ.
وَلَوْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا كَانَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا قَطْعِيٌّ فِي أَنَّ الْمُحْتَمَلَ هُنَا وَجْهَانِ لَا غَيْرُ، وَكَانَ مَنْشَأُ زَلَّتِهِ هُوَ أَنَّ سَائِرَ الشُّرَّاحِ قَالُوا فِي بَيَانِ وَجْهِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَقْضِيَ بِالْأَلْفِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا، فَتَوَهَّمَ الشَّارِحُ الْمَزْبُورَ أَنَّ قَوْلَهُمْ أَوْ لِأَحَدِهِمَا يَعُمُّ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ فَوَقَعَ فِيمَا وَقَعَ مَعَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِهِ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute