للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِعَدَمِ اللُّزُومِ فَلَا تَكُونُ ضَائِرَةً. وَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ. وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا جَهَالَةَ، وَالنَّهْيُ مَنَعَ عَنْ التَّحْصِيلِ فَلَا يَتَحَصَّلُ الْمَنَافِعَ عَلَى مِلْكِهِ. وَلَا يَمْلِكُ الْإِجَارَةَ لِدَفْعِ زِيَادَةِ الضَّرَرِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ (وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك)؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ (وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ)؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ

قَوْلُهُ: وَالْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِعَدَمِ اللُّزُومِ فَلَا تَكُونُ ضَائِرَةً) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُفْضِيَةَ إلَى النِّزَاعِ هِيَ الْمَانِعَةُ، وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِعَدَمِ اللُّزُومِ فَلَا تَكُونُ ضَائِرَةً، كَذَا فِي الشُّرُوحِ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ: وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْعَارِيَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ التَّمْلِيكُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ لِكَوْنِهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَالْجَهَالَةُ الَّتِي لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَقُولُ: فِيهِ نَوْعُ خَلَلٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْعَارِيَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ التَّمْلِيكُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ يُشْعِرُ بِأَنَّ عَامَّةَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا بِصِحَّةِ الْعَارِيَّةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ اعْتَرَفُوا بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّمْلِيكِ أَصْلًا مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُتِمَّ هَذَا الْكَلَامُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ: وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ بِهِ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ هِيَ الْإِبَاحَةُ دُونَ التَّمْلِيكِ لَا عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ مَعَ الْجَهَالَةِ: فَالْأَوْلَى فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْعَارِيَّةُ مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ التَّمْلِيكُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ إلَخْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِقَوْلِهِ أَعَرْتُك؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ وَأَطْعَمْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ صَرِيحٌ فِيهِ: أَيْ حَقِيقَةٌ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ، وَفِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ: أَيْ مَجَازٌ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي عِبَارَتِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ مُسْتَعْمَلٌ أَنَّهُ مَجَازٌ فَهُوَ صَرِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ، وَالْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ صَرِيحٌ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ، وَالْجَوَابُ: كِلَاهُمَا صَرِيحٌ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا حَقِيقَةٌ وَالْآخَرَ مَجَازٌ، فَأَشَارَ إلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ مُسْتَعْمَلٌ: أَيْ مَجَازٌ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْآخَرَ حَقِيقَةٌ إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنْ قَالَ: فِيهِ تَأَمُّلٌ، فَإِنَّ تَخْصِيصَ الْأُولَى بِكَوْنِهَا صَرِيحَةً يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَا تَنْحَسِمُ مَادَّةُ الْإِشْكَالِ انْتَهَى.

أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ مَا انْكَشَفَ الْمُرَادُ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>