للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَمَنَحَتْك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ)؛ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ تُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ تَجَوُّزًا. قَالَ (وَأَخْدَمْتُك هَذَا الْعَبْدَ)؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي اسْتِخْدَامِهِ (وَدَارِي لَك سُكْنَى)؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ سُكْنَاهَا لَك (وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى)؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ سُكْنَاهَا لَهُ مُدَّةَ عُمُرِهِ. وَجَعَلَ قَوْلُهُ سُكْنَى تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ لَك؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ بِدَلَالَةٍ آخِرِهِ.

قَالَ: (وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ) لِقَوْلِهِ «الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا فَالتَّمْلِيكُ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبْضُ فَيَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ.

قَالَ: (وَالْعَارِيَّةُ أَمَانَةٌ إنْ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَالَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ اسْتِحْقَاقٍ فَيَضْمَنُهُ، وَالْإِذْنُ

فِي نَفْسِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْحَقِيقَةَ الْغَيْرَ الْمَهْجُورَةَ وَالْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالصَّرِيحِ هَاهُنَا الْحَقِيقَةَ فَقَطْ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي مُقَابِلِهِ كَمَا بَيَّنَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْبَعْضُ أَنَّ تَخْصِيصَ الْأُولَى بِكَوْنِهَا صَرِيحَةً يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ: أَيْ لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّرِيحِ هَاهُنَا مَعْنَى الْحَقِيقَةِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ تَخْصِيصَ الْأُولَى بِذَلِكَ يُوهِمُ أَنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ بِمَعْنَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا إشْكَالَ فِيهِ حَتَّى لَا تَنْحَسِمَ مَادَّتُهُ (قَوْلُهُ: وَمَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِمَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ. وَقَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ الطَّعْنِ وَالْجَوَابِ: قُلْت: الْمَذْكُورُ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: وَمَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ، وَالْآخَرُ حَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ انْتَهَى. أَقُولُ: مَدَارُ مَا قَالَهُ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَفْهُومِ وَبَيْنَ مَا صَدَّقَ هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الشَّيْئَيْنِ هُوَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَمَبْنَى التَّأْوِيلِ هَاهُنَا وَفِي قَوْله تَعَالَى ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا مَحَالَةَ فَلَا غُبَارَ فِي الْجَوَابِ. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بَيَانَ الْوَاقِعِ لَا رَدَّ الْجَوَابِ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ: كَوْنُ الْمَذْكُورِ شَيْئَيْنِ مَعَ كَوْنِهِ غَنِيًّا عَنْ الْبَيَانِ جِدًّا يَأْبَى عَنْهُ قَطْعًا ذِكْرَهُ لَفْظَةَ قُلْت سِيَّمَا بَعْدَ ذِكْرِ الطَّعْنِ وَالْجَوَابِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْأَلْبَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>