وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْجِهَةَ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايِرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا لَمْ يَكُنْ قَرْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْمَنْفَعَةُ الْمُسَمَّاةُ، وَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَعَارَ آنِيَةً يَتَحَمَّلُ بِهَا أَوْ سَيْفًا مُحَلًّى يَتَقَلَّدُهُ.
قَالَ (وَإِذَا اسْتَعَارَ أَرْضًا لِيَبْنِيَ فِيهَا أَوْ لِيَغْرِسَ فِيهَا جَازَ وَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَيُكَلِّفَهُ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ) أَمَّا الرُّجُوعُ فَلِمَا بَيَّنَّا، وَأَمَّا الْجَوَازُ فَلِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَعْلُومَةٌ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَكَذَا بِالْإِعَارَةِ. وَإِذَا صَحَّ الرُّجُوعُ بَقِيَ الْمُسْتَعِيرُ شَاغِلًا أَرْضَ الْمُعِيرِ فَيُكَلَّفُ تَفْرِيغَهَا، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُغْتَرٌّ غَيْرُ مَغْرُورٍ حَيْثُ اعْتَمَدَ إطْلَاقَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَ مِنْهُ الْوَعْدُ وَإِنْ كَانَ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ وَرَجَعَ قَبْلَ الْوَقْتِ صَحَّ رُجُوعُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ
فِي عَارِيَّةِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا فِي صَدْرِ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا كَوْنُ الْمُسْتَعَارِ قَابِلًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا فَتَعَذَّرَ حَقِيقَةُ الْإِعَارَةِ فِيهَا فَجَعَلْنَاهَا كِنَايَةً عَنْ الْقَرْضِ، وَكَذَا حُكْمُ الْإِعَارَةِ مُنْتَفٍ فِي عَارِيَّةِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ، إذْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْ الْقَابِضِ، فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ حَقِيقَةُ الْإِعَارَةِ وَلَا حُكْمُهَا فِي عَارِيَّةِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا تَأْثِيرَ فِيهَا أَصْلًا؛ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِعَارَةِ الِانْتِفَاعُ وَرَدُّ الْعَيْنِ وَلَا لِإِقَامَةِ رَدِّ الْمِثْلِ مَقَامَ رَدِّ الْعَيْنِ. نَعَمْ يُفْهَمُ مِنْ مَضْمُونِ هَذَا التَّعْلِيلِ مُنَاسَبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ صَالِحَةٌ؛ لَأَنْ يُجْعَلَ لَفْظُ الْإِعَارَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ مَجَازًا أَوْ كِنَايَةً عَنْ مَعْنَى الْإِقْرَاضِ، وَلَكِنَّ كَلَامَنَا فِي صَلَاحِيَّةِ ذَلِكَ؛ لَأَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أُسْلُوبِ التَّحْرِيرِ فَعَلَيْك بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ الْجِهَةَ بِأَنْ اسْتَعَارَ دَرَاهِمَ لِيُعَايَرَ بِهَا مِيزَانًا أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا دُكَّانًا لَمْ يَكُنْ قَرْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا الْمَنْفَعَةُ الْمُسَمَّاةُ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا وَاعْتِبَارُ ذَلِكَ شَرْعًا أَيْضًا فَكَيْفَ يَتِمُّ مَا ذَكَرَ سَابِقًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا؟. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ سَابِقًا بِنَاءً عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِنَحْوِ الدَّرَاهِمِ فِي الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا، فَيُدَارُ الْحُكْمُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا هُوَ الْأَغْلَبُ، وَأَمَّا عِنْدَ تَعْيِينِ الْجِهَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْت: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا تُسَاعِدُ التَّوْجِيهَ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّ الْحَصْرَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِدُونِ اسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا. قُلْت: يُمْكِنُ حَمْلُ الْحَصْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute