(وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِالْقَلْعِ)؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ وَقَّتَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ. كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ أَنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّ الْأَرْضِ لِلْمُسْتَعِيرِ قِيمَةَ غَرْسِهِ وَبِنَائِهِ وَيَكُونَانِ لَهُ، إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَلَا يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُمَا فَيَكُونَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
قَالُوا: إذَا كَانَ فِي الْقَلْعِ ضَرَرٌ بِالْأَرْضِ فَالْخِيَارُ إلَى رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُسْتَعِيرُ صَاحِبُ تَبَعٍ وَالتَّرْجِيحُ بِالْأَصْلِ، وَلَوْ اسْتَعَارَهَا لِيَزْرَعَهَا لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ وَقَّتَ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ.؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً، وَفِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحُقَّيْنِ،
الْمَذْكُورِ عَلَى الْحَصْرِ الِادِّعَائِيِّ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَقَلِّ فَلَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ) قَالَ صَاحِبُ الْغَايَةِ: أَيْ نُقْصَانُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ عَلَى أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً بِمَعْنَى الَّذِي، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مَنْصُوبَيْنِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونَانِ مَرْفُوعَيْنِ. اهـ كَلَامُهُ. وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: لَا يَظْهَرُ وَجْهَ صِحَّةٍ لِكَوْنِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَنْصُوبَيْنِ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الَّذِي نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ إنَّمَا هُوَ الْقَلْعُ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ نَصْبِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ قَلْعَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَلَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُضْمَنُ بَلْ هُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا الْمَضْمُونُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ الْمُنْتَقَضَةِ بِالْقَلْعِ، وَيَمْنَعُ أَيْضًا صِحَّةَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ قَوْلُهُ: بِالْقَلْعِ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ الْقَلْعَ بِالْقَلْعِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
فَالْوَجْهُ عِنْدِي هَاهُنَا رَفْعُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لَا غَيْرُ. أَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا مَوْصُولَةً فَبِتَقْدِيرِ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَيْهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَضَمِنَ الْمُعِيرُ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فِيهِ بِالْقَلْعِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ. فَيَكُونُ كَلِمَةُ نَقَصَ هَاهُنَا مِنْ نَقَصَ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَوَجْهُ قَوْلِهِ مَا نَقَصَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ أَنْ يَنْظُرَ كَمْ يَكُونُ قِيمَةُ الْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ إذَا بَقِيَ إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، يَعْنِي إذَا كَانَ قِيمَةُ الْبِنَاءِ إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ عَشْرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا، وَإِذَا قَلَعَ فِي الْحَالِ تَكُونُ قِيمَةُ النَّقْصِ دِينَارَيْنِ يَرْجِعُ بِهِمَا. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَدْ كَانَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْمَقَامِ وَمِثَالُهُ عَلَى الْمِنْوَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا بَدَلَ قَوْلِهِ يَرْجِعُ بِهِمَا فَيَرْجِعُ بِثَمَانِيَةِ دَنَانِيرَ فَكَأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ مِمَّا قَالَاهُ حِصَّةً فَأَوْرَدَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute