للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِخِلَافِ الْغَرْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُقْلَعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ.

قَالَ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ)؛ لِأَنَّ الرَّدَّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ قَبَضَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ وَالْأُجْرَةُ مُؤْنَةُ الرَّدِّ فَتَكُونُ عَلَيْهِ (وَأُجْرَةُ رَدِّ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ)

كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقَلْعَ مَا نَقَصَ دِينَارَيْنِ بَلْ نَقَصَ ثَمَانِيَةَ دَنَانِيرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ بِهَا كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. أَقُولُ: لَعَلَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ أَرَادَ بِقِيمَةِ النَّقْصِ فِي قَوْلِهِ تَكُونُ قِيمَةُ النَّقْصِ دِينَارَيْنِ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَلْبِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ بِالْقَلْعِ دِينَارَيْنِ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ بِدِينَارَيْنِ فَيَرْجِعُ بِهِمَا قَطْعًا. وَأَمَّا صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ فَكَأَنَّهُمَا أَرَادَا بِقِيمَةِ النَّقْصِ مَعْنَى قِيمَةِ النَّاقِصِ، وَإِذَا كَانَ قِيمَةُ النَّاقِصِ بِالْقَلْعِ دِينَارَيْنِ يَكُونُ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ بِثَمَانِيَةِ دَنَانِيرَ فَيَرْجِعُ بِثَمَانِيَةِ دَنَانِيرَ، وَبِهَذَا ظَهَرَ تَوْجِيهُ كَلَامِ كُلٍّ مِنْ طَائِفَتَيْ هَؤُلَاءِ الشُّرَّاحِ.

وَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فَأَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ قِيمَةُ النَّقْصِ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى الصِّفَةِ أَيْ الْقِيمَةِ الْمَنْقُوصَةِ فَلَا إشْكَالَ انْتَهَى كَلَامُهُ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِسَدِيدٍ، إذْ لَا يَجُوزُ إضَافَةُ الْمَوْصُوفِ إلَى الصِّفَةِ وَلَا إضَافَةُ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُورِ الْمُخْتَارِ حَتَّى تَقَرَّرَ فِي عَامَّةِ مُتُونِ النَّحْوِ وَشَاعَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ لَا يُضَافُ إلَى صِفَتِهِ وَلَا الصِّفَةُ إلَى مَوْصُوفِهَا، وَإِنَّمَا جَوَازُ ذَلِكَ مَذْهَبٌ سَخِيفٌ كُوفِيٌّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ فِي تَوْجِيهِ كَلَامِ الثِّقَاتِ، عَلَى أَنَّ النَّقْصَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْقِيمَةِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُجْعَلَ مَجَازًا عَنْ الْمَفْعُولِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَنْقُوصَةِ، وَهَذَا تَعَسُّفٌ بَعْدَ تَعَسُّفٍ، وَلَعَمْرِي إنَّ مِنْ عَادَةِ ذَلِكَ الْفَاضِلِ أَنْ يَتَشَبَّثَ بِذَلِكَ الْمَذْهَبِ السَّخِيفِ مَعَ تَكَلُّفِ آخَرَ فِي تَوْجِيهِ بَعْضِ الْمَقَامَاتِ، وَقَدْ مَرَّ مِنْهُ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ يَزْعُمُهُ مَعْنَى لَطِيفًا ظَاهِرًا كَمَا يُلَوِّحُ بِهِ.

قَوْلُهُ: هَاهُنَا فَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ قِيمَةُ النَّقْصِ مِنْ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى الصِّفَةِ وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْغَرْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُقْلَعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ وَقْتٌ فِي الْغَرْسِ كَانَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ بِالتَّوْقِيتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُؤْخَذَ الْأَرْضُ مِنْهُ هُنَا أَيْضًا إلَى تَمَامِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مُرَاعَاةً لِلْحَقَّيْنِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْغَرْسَ لَيْسَ لَهُ فِي نَفْسِهِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ، وَبِالتَّوْقِيتِ لَا يَتَقَرَّرُ لَهُ نِهَايَةٌ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْلَعَهُ الْمُسْتَعِيرُ فِي تَمَامِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، إمَّا بِعَمْدٍ مِنْهُ لِخِيَانَةِ نَفْسِهِ، أَوْ بِمَانِعٍ يَمْنَعُهُ عَنْهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَضَرَّرَ الْمَالِكُ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَإِنَّ لَهُ فِي نَفْسِهِ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ فَافْتَرَقَا.

وَأَمَّا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّ الضَّرَرَ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مُتَعَيِّنٌ سَوَاءٌ وَقَّتَ أَوْ لَا، إذْ لَيْسَ لَهُمَا نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَلَا يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ، بِخِلَافِ الزَّرْعِ فَلَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ تَعَيُّنَ الضَّرَرِ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَمْنُوعٌ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَسْكُنَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ فِي الْبِنَاءِ شِتَاءً ثُمَّ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ إذَا جَاءَ الصَّيْفُ، وَأَنْ يَغْرِسَ صَاحِبُ الْغَرْسِ الشَّجَرَ ثُمَّ يَقْلَعَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ لِيَبِيعَهُ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ، فَإِذَا وَقَّتَ الْمُعِيرُ الْعَارِيَّةَ بِالْمُدَّةِ الْمُعْتَادَةِ فِي نَقْضِ مِثْلِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَقَلْعِ مِثْلِ ذَلِكَ الشَّجَرِ وَلَمْ تُؤْخَذْ الْأَرْضُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَعِيرِ إلَى تَمَامِ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَتَضَرَّرْ صَاحِبُ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَصْلًا، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَتَاجُ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقَّتَ الْعَارِيَّةَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ مُغْتَرٌّ غَيْرُ مَغْرُورٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>