الْإِيدَاعَ قَصْدًا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَمْلِكُهُ لِأَنَّهُ دُونَ الْإِعَارَةِ، وَأَوَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِانْتِهَاءِ الْإِعَارَةِ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ.
قَالَ: (وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِلزِّرَاعَةِ يَكْتُبُ إنَّك أَطْعَمْتنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَقَالَا: يَكْتُبُ إنَّك أَعَرْتنِي)؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْإِعَارَةِ مَوْضُوعَةٌ لَهُ وَالْكِتَابَةُ بِالْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْلَى كَمَا فِي إعَارَةِ الدَّارِ. وَلَهُ أَنَّ لَفْظَةَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِأَنَّهَا تَخُصُّ الزِّرَاعَةَ وَالْإِعَارَةُ تَنْتَظِمُهَا وَغَيْرَهَا كَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بِهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَارُ إلَّا لِلسُّكْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
وَفِي الْقِيَاسِ هُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لَا رَدٌّ، وَصَارَ كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ إلَى دَارِ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ فَسْخُ فِعْلِهِ، وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ. وَعَلَى الْمُودِعِ الرَّدُّ إلَى الْمَالِكِ لَا إلَى دَارِهِ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ.؛ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَضَى بِالرَّدِّ إلَى عِيَالِهِ لَمَا أَوْدَعَهَا إيَّاهُ. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: هَذَا تَحْرِيرٌ مُخْتَلٌّ. فَإِنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْغَاصِبِ إلَخْ كَلَامُهُ الْمَزْبُورُ يُشْعِرُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْقِيَاسِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ سِوَاهُ هَاهُنَا، بَلْ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي مَحَلِّهِ فِيمَا سَيَأْتِي كَمَا تَرَى.
(كِتَابُ الْهِبَةِ) ذَكَرْنَا وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ وَالتَّرْتِيبِ فِي الْوَدِيعَةِ وَهُوَ التَّرَقِّي مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى، وَلِأَنَّ الْعَارِيَّةَ كَالْمُفْرَدِ وَالْهِبَةَ كَالْمَرْكَبِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَمْلِيكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute