للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتَنَا التَّسْلِيطَ فِيهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْقَبُولِ، وَالْقَبُولُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، فَكَذَا مَا يُلْحَقُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَا تَعْمَلُ فِي مُقَابَلَةِ الصَّرِيحِ.

فِي الْبَيْعِ بَلْ يُقَرِّرُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْهِبَةِ لِافْتِقَارِهِ أَيْضًا إلَى الْقَبْضِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي. وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَمَشَّى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ رَأْسًا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَالْإِيجَابَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ شَيْئَانِ فِي كَوْنِهِمَا شَطْرَ الْعَقْدِ لِإِتْمَامِهِ، فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ الْمَزْبُورُ هُنَاكَ. وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ بِوَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَ لَجَازَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ، وَأَيْضًا هَذَا الْكَلَامُ مُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ عَقْدٌ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ. اهـ. أَقُولُ: كِلَا وَجْهَيْ بَحْثِهِ سَاقِطٌ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ فِي قَوْلِهِ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرَ لَجَازَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ مُسَلَّمَةٌ، فَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي فَمَمْنُوعٌ إذْ قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَهَبْتُك هَذَا الشَّيْءَ فَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ صَحَّ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا: فَإِذَا صَحَّ عَقْدُ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ أَصْلًا فَلَأَنْ يَصِحَّ بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ بِأَمْرِ الْوَاهِبِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّا قَدْ نَقَلْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ فِيمَا مَرَّ أَنَّ رُكْنَ الْهِبَةِ هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْوَاهِبِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَيْسَ بِرُكْنٍ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ رُكْنًا، فَمَدَارُ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ وَمَدَارُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقِيَاسِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ نَفْسُهُ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ، وَلِهَذَا يُقَالُ وَهَبَ وَلَمْ يُقْبَلْ، وَالْعَاقِلُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَا يُنَاقِضُ كَلَامَ نَفْسِهِ فَوَجْهُ التَّوْفِيقِ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْقِيَاسِ وَالْآخَرِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ) يَعْنِي أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاهِبِ مِنْ عَقْدِ الْهِبَةِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ الْإِيجَابُ مِنْهُ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ فَكَانَ إذْنًا دَلَالَةً، وَنُقِضَ هَذَا بِفَصْلِ الْبَيْعِ فَإِنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ مِنْ إيجَابِ عَقْدِ الْبَيْعِ هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي، ثُمَّ إذَا تَمَّ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ هُنَاكَ وَالْمَبِيعُ حَاضِرٌ لَا يُجْعَلُ إيجَابُ الْبَائِعِ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ، حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ وَيَحْبِسَهُ حَتَّى يَأْخُذَ الثَّمَنَ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ مِنْ عَقْدِ الْبَيْعِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بَلْ مَقْصُودَهُ مِنْهُ تَحْصِيلُ الثَّمَنِ لَا غَيْرُ، وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي ضِمْنِيٌّ لَا قَصْدِيٌّ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ، كَذَا فِي الشُّرُوحِ.

أَقُولُ: لَا يَرِدُ النَّقْضُ الْمَذْكُورُ رَأْسًا، إذْ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ مَقْصُودَ الْبَائِعِ مِنْ إيجَابِ عَقْدِ الْبَيْعِ هُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فَكَذَاك الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِقَبُولِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي فَلَا مُقْتَضَى لِجَعْلِ إيجَابِ الْبَائِعِ تَسْلِيطًا عَلَى الْقَبْضِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ بِدُونِ ذَلِكَ بِخِلَافِ فَصْلِ الْهِبَةِ كَمَا تَقَرَّرَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا التَّسْلِيطَ فِيهِ إلْحَاقًا لَهُ بِالْقَبُولِ وَالْقَبُولُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ فَكَذَا مَا يُلْحَقُ بِهِ) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أُلْحِقَ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ بِالْقَبُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>