للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ، يُقَالُ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نِيَّتِهِ.

(وَلَوْ قَالَ كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ يَكُونُ هِبَةً)؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ وَيُقَالُ كَسَا الْأَمِيرُ فُلَانًا ثَوْبًا: أَيْ مَلَّكَهُ مِنْهُ (وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ.

مَا إذَا قَالَ جَعَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَك عُمْرَى إلَّا بِاشْتِمَالِ هَذِهِ الصُّوَرِ عَلَى لَفْظَةِ عُمْرَى دُونَ مَا سَبَقَ، فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا كَوْنَ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ لَك لِلتَّمْلِيكِ لَا كَوْنَ لَفْظَةِ الْعُمْرَى لِإِثْبَاتِ الْمَلِكِ لَلْمُعَمَّرِ لَهُ لَكَانَ ذِكْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ مُسْتَدْرَكًا كَمَا لَا يَخْفَى. فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَا ذَكَرْته لَقَالَ لِمَا رَوَيْنَا كَمَا هُوَ دَأْبُهُ عِنْدَ قَصْدِهِ الْإِشَارَةَ إلَى السُّنَّةِ. قُلْت: كَأَنَّ الشَّارِحَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ اغْتَرَّا بِذَلِكَ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِجَعْلِ " مَا " فِي قَوْلِهِ لِمَا قُلْنَا عِبَارَةً عَنْ قَوْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلِقَوْلِهِ لَا عَنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي تَحْرِيرِ مُرَادِهِ فَتَبَصَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ، يُقَالُ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى فَرَسٍ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ نِيَّتِهِ) يَعْنِي أَنَّ الْحَمْلَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَنْفَعَةِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً، إلَّا أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَرَدْت الْهِبَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ يُذْكَرُ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، فَإِذَا نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَيْهِ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: إنَّ حَقِيقَتَهُ الْإِرْكَابُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْعَارِيَّةِ أَنَّ قَوْلَهُ حَمَلْتُك لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ. قُلْنَا: حَقِيقَتُهُ الْإِرْكَابُ نَظَرًا إلَى الْوَضْعِ، وَهُوَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْعُرْفِ وَالِاسْتِعْمَالِ، لَكِنَّ الْحَقِيقَةَ مَا صَارَتْ مَهْجُورَةً بِالْعُرْفِ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ انْتَهَى.

وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَحْوَى ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى حَيْثُ قَالَ: لَا يُقَالُ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ مَجَازًا لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ هُنَالِكَ أَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ: يَعْنِي فِي الْعُرْفِ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَنَافِعِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الْإِرْكَابُ حَقِيقَةً: يَعْنِي فِي اللُّغَةِ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ انْتَهَى. أَقُولُ: بَقِيَ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةً، وَالْمَجَازُ مُتَعَارَفًا، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَوْلَى وَالْعَمَلُ بِهِ. وَعِنْدَهُمَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ أَوْلَى وَالْعَمَلُ بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً فَالْعَمَلُ بِالْمَجَازِ اتِّفَاقًا. إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَفِي مَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ تَكُنْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَعَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا هُوَ حَقِيقَةٌ بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَهُوَ الْإِرْكَابُ، وَعِنْدَهُمَا بِمَا هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَهُوَ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْحَمْلُ عَلَى الْعَارِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ الْهِبَةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْهِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا عَلَى أَصْلِهِمَا، مَعَ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُذْكَرَ الْخِلَافُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَلْيُتَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَ صَاحِبِ الْكِفَايَةِ فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الِاسْمِ الْمُشْتَرَكِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمُشْتَرَكِ التَّأَمُّلُ فِيهِ حَتَّى يَتَرَجَّحَ أَحَدُ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ بِالْأَدِلَّةِ أَوْ الْأَمَارَاتِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنْ نَوَى الْهِبَةَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا يُحْمَلُ عَلَى الْعَارِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَلَا تَوَقُّفٍ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ مَنَحْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>