وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ جَوَازُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ التَّسْلِيمُ، بِخِلَافِ مَا لَا يُقَسَّمُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْقَاصِرَ هُوَ الْمُمْكِنُ فَيُكْتَفَى بِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ.
جَوَازِهِ. وَالثَّالِثِ أَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا إلَخْ عَلَى الْجَوَابِ عَنْ سُؤَالٍ يَرِدُ بِطَرِيقِ الْمَنْعِ عَلَى مُقَدِّمَةٍ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي قَدَّرَهَا وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَا مَانِعَ ثَمَّةَ. وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ مَقْصُودَ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ إلَخْ إثْبَاتُ كُبْرَى الدَّلِيلِ السَّابِقِ وَهِيَ قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ فِي الْمُشَاعِ لَا إثْبَاتِ أَصْلِ الْمُدَّعَى، وَلَفْظُ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَضْمُونِ هَاتِيك الْكُبْرَى، فَالْمَعْنَى وَهَذَا: أَيْ صِحَّتُهُ فِي الْمُشَاعِ أَوْ كَوْنُهُ صَحِيحًا فِي الْمُشَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ قَابِلٌ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَيَكُونُ مَحَلًّا لَهُ، فَلَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ وُجُوهِ التَّعَسُّفِ اللَّازِمَةِ لِتَقْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَظَاهِرٌ جِدًّا. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِسُقُوطِ الِاحْتِيَاجِ حِينَئِذٍ إلَى مَا قَدَّرَهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الزَّائِدَةِ كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَكَوْنُهُ تَبَرُّعًا لَا يُبْطِلُهُ الشُّيُوعُ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ يَرِدُ عَلَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَلَوْ قُلْنَا بِجَوَازِهِ فِي الْمُشَاعِ لَزِمَ فِي ضِمْنِهِ وُجُوبُ ضَمَانِ الْقِسْمَةِ وَالْوَاهِبُ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ فَيَكُونُ إلْزَامًا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَقَالَ: كَوْنُهُ عَقْدَ تَبَرُّعٍ لَا يَمْنَعُهُ الشُّيُوعُ كَالْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ: يَعْنِي أَنَّ الشُّيُوعَ فِي الْقَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ، كَمَا لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُمَا عَقْدَ تَبَرُّعٍ كَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ فِي الْهِبَةِ فَلَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَيْضًا مِنْ وُجُوهِ التَّعَسُّفِ اللَّازِمَةِ لِتَقْرِيرِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، وَهُوَ حَمْلُ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْجَوَابِ عَمَّا يَرِدُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ غَيْرِ مَذْكُورَةٍ كَمَا عَرَفْت فَتَبَصَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمُهُ، وَهُوَ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ) يَعْنِي أَنَّ فِي تَجْوِيزِ عَقْدِ الْهِبَةِ فِي الْمُشَاعِ إلْزَامَ الْوَاهِبِ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ، وَهُوَ مُؤْنَةُ الْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا ضَرَرٌ مَرَضِيٌّ؛ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى هِبَةِ الْمُشَاعِ يَدُلُّ عَلَى الْتِزَامِهِ ضَرَرَ الْقِسْمَةِ وَالضَّائِرُ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَمْ يَكُنْ مَرَضِيًّا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَرَضِيَّ مِنْهُ لَيْسَ الْقِسْمَةَ وَلَا مَا يَسْتَلْزِمُهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِالْمِلْكِ الْمُشَاعِ وَهُوَ لَيْسَ بِقِسْمَةٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُهَا، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ أَخْذًا مِنْ شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُمَا الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ الْمُشَاعُ قِسْمَةً وَلَا مُسْتَلْزِمًا لَهَا لَمْ يَتِمَّ نَفْسُ هَذَا الدَّلِيلِ: أَعْنِي قَوْلَهُ وَلِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ إلْزَامَهُ شَيْئًا لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَهُوَ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَسْتَلْزِمُهُ تَجْوِيزُ هِبَةِ الشَّيْءِ إنَّمَا هُوَ إلْزَامُ وَاهِبِهِ حُكْمَ الْهِبَةِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَشَيْئًا يَسْتَلْزِمُهُ حُكْمُهَا.
وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحُكْمِ الْهِبَةِ وَلَا شَيْئًا مِنْ لَوَازِمِ حُكْمِهَا فَلَا يَسْتَلْزِمُهُ تَجْوِيزُ الْهِبَةِ فِي شَيْءٍ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْقِسْمَةُ نَفْسَ حُكْمِ الْهِبَةِ وَلَا شَيْئًا يَسْتَلْزِمُهُ حُكْمُهَا فَأَيْنَ يَلْزَمُ مِنْ تَجْوِيزِ هِبَةِ الْمُشَاعِ إلْزَامُ الْوَاهِبِ مُؤْنَةَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يَلْزَمَ إلْزَامُهُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ. لَا يُقَالُ: الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُ الْقِسْمَةَ هُوَ الْمِلْكُ الْمُشَاعُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ وَمَا هُوَ حُكْمُ الْهِبَةِ هُوَ الْمِلْكُ الْمُفْرَزُ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الْقِسْمَةَ؟ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُكْمَ الْهِبَةِ مُطْلَقًا هُوَ الْمِلْكُ الْمُفْرَزُ بَلْ حُكْمُهَا هُوَ الْمِلْكُ مُطْلَقًا، أَلَا تَرَى أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ جَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَحُكْمُهَا ثَابِتٌ قَطْعًا، مَعَ أَنَّ حُكْمَهَا هُنَاكَ لَيْسَ الْمَلِكَ الْمُفْرَزَ بِلَا رَيْبٍ بَلْ هُوَ الْمِلْكُ الْمُشَاعُ. وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ حُكْمَهَا مُطْلَقًا هُوَ الْمِلْكُ الْمُفْرَزُ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ الْمُجِيبِ إنَّ الْمَرَضِيَّ مِنْهُ لَيْسَ الْقِسْمَةَ وَلَا مَا يَسْتَلْزِمُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى الْهِبَةِ يَرْضَى بِحُكْمِهَا قَطْعًا، فَلَوْ كَانَ حُكْمُهَا مُطْلَقًا هُوَ الْمِلْكُ الْمُفْرَزُ تَعَيَّنَ الرِّضَا مِنْهُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute