قَالَ: (أَوْ يَمُوتَ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ)؛ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ إذْ هُوَ مَا أَوْجَبَهُ. قَالَ (أَوْ تَخْرُجُ الْهِبَةُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِهِ فَلَا يَنْقُضُهُ، وَلِأَنَّهُ تَجَدُّدُ الْمِلْكِ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ.
قَالَ: (فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَأَنْبَتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا أَوْ بَنَى بَيْتًا أَوْ دُكَّانًا أَوْ آرِيًّا وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا)؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَقَوْلُهُ وَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِيهَا؛ لِأَنَّ الدُّكَّانَ قَدْ يَكُونُ صَغِيرًا حَقِيرًا لَا يُعَدُّ زِيَادَةً أَصْلًا، وَقَدْ تَكُونُ
النِّهَايَةِ فِي الْبَيَانِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ هُوَ الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِ الْمَوْهُوبِ بِشَيْءٍ يُورِثُ زِيَادَةً فِي قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ. أَمَّا لَوْ زَادَ الْمَوْهُوبُ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ لَا تُورِثُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ زِيَادَةً فِي قِيمَتِهِ فَهُوَ لَيْسَ بِزِيَادَةٍ حَقِيقَةٍ فَلَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ زِيَادَةَ صُورَةٍ نُقْصَانًا مَعْنًى كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَقَالَ: هَكَذَا كُلِّهِ فِي الذَّخِيرَةِ. ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ هَاهُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ الصُّورِيَّةَ الَّتِي لَا تُورِثُ زِيَادَةً فِي الْقِيمَةِ كَالزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بِطُولِ الْقَامَةِ وَبِالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، مَعَ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي ذَكَرُوا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الرُّجُوعُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلرُّجُوعِ فِيهَا دُونَ الزِّيَادَةِ مَدَى الْإِمْكَانِ، وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعُقَدِ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ فِي التَّوْجِيهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ وَهَبَ لِآخَرَ أَرْضًا بَيْضَاءَ فَأَنْبَتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا نَخْلًا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا نَوْعٌ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فَكَانَ حَقُّهَا التَّقْدِيمَ اهـ. أَقُولُ: وَجْهُ التَّأْخِيرِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَرِهَ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مَسْأَلَةِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ يَذْكُرُ مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، فَإِنَّ الْمُسْتَثْنَى مَعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ آخَرُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْهُ: إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ سَرْدَ أُصُولِ الْمَوَانِعِ ثُمَّ التَّفْرِيعَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَتَأْخِيرَ التَّعْوِيضِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ التَّفْصِيلِ. اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَوْ قَصَدَ سَرْدَ أُصُولِ الْمَوَانِعِ ثُمَّ التَّفْرِيعَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَمَا ذَكَرَ الْقَرَابَةَ الْمَحْرَمِيَّةَ وَالزَّوْجِيَّةَ مِنْ أُصُولِ الْمَوَانِعِ بَيْنَ التَّفْرِيعَاتِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute