للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ لِلرُّجُوعِ مَوَانِعُ ذَكَرَ بَعْضَهَا فَقَالَ (إلَّا أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (أَوْ تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً)؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الرُّجُوعِ فِيهَا دُونَ الزِّيَادَةِ؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ؛ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ.

فِي جَوَازِهِ الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءَ، فَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ بِالرِّضَا فَلَا كَلَامَ فِيهِ وَلَا إشْكَالَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْقَضَاءِ فَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْقَاضِي الْإِعَانَةُ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ؟ وَكَيْفَ تَكُونُ إعَانَتُهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى مُنْتِجَةٌ لِلْجَوَازِ؟ وَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْقَضَاءِ غَيْرَ جَائِزٍ فَبَعْدَهُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يُحَلِّلُ الْحَرَامَ وَلَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَإِنَّمَا قَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةٌ لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ، فَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ لَا يَحِلُّ لَا يَصِيرُ بِالْقَضَاءِ حَلَالًا، وَقَدْ اعْتَرَفَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي أَصْلِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَهَاءً فَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْقَاضِي الْإِقْدَامُ عَلَى أَمْرٍ وَاهٍ مَكْرُوهٍ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَقُولُ: هَذَا الْإِشْكَالُ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الْقَضَاءِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَاذَا، فَإِنَّ الَّذِي كَانَ مَكْرُوهًا إنَّمَا هُوَ نَفْسُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ لَا جَوَازُ الرُّجُوعِ عَنْهَا، وَاَلَّذِي يَكُونُ مَحَلًّا لِلْقَضَاءِ إنَّمَا هُوَ جَوَازُ الرُّجُوعِ عَنْهَا لَا نَفْسُ الرُّجُوعِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقُولُ لِلْوَاهِبِ فِي حُكْمِهِ لَهُ عِنْدَ التَّرَافُعِ مَعَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ارْجِعْ عَنْ هِبَتِك، بَلْ يَقُولُ لَك الرُّجُوعُ عَنْهَا مَعَ كَرَاهَةٍ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي قَضَائِهِ هَذَا إعَانَةٌ عَلَى أَمْرٍ مَكْرُوهٍ بَلْ فِيهِ إجْرَاءُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَلَى أَصْلِ أَئِمَّتِنَا، وَهُوَ جَوَازُ الرُّجُوعِ عَنْ الْهِبَةِ مَعَ كَرَاهَةٍ فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُرْتَكِبًا لِلْمَكْرُوهِ بِطَوْعِ نَفْسِهِ لَا بِإِعَانَةِ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ دَفْعِهَا إلَيْهِ يُلْزِمُهُ الْقَاضِي دَفْعَهَا إلَيْهِ. وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا إلْزَامُ الْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الْهِبَةِ إلَى الْوَاهِبِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَوْهُوبِ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ الْوَاهِبُ عَنْهَا بِلَا مَانِعٍ عَنْ الرُّجُوعِ، وَإِنْ كَانَ نَفْسُ الرُّجُوعِ مَكْرُوهًا. ثَمَّ إنَّ الْقَاضِيَ لَا يُحَلِّلُ الْحَرَامَ وَلَا يُحَرِّمُ الْحَلَالَ، وَلَكِنْ يَجْعَلُ الضَّعِيفَ قَوِيًّا وَالْمُخْتَلَفَ فِيهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بِتَعَلُّقِ حُكْمِهِ بِذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ. ثُمَّ إنَّ الضَّعِيفَ إذَا كَانَ نَاشِئًا مِنْ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسْأَلَةٍ لَا يَمْنَعُ الْقَاضِي عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْحُكْمِ بِهَا سِيَّمَا إذَا وَافَقَ مَذْهَبَهُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا تَرَى فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ بِحَذَافِيرِهِ، هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ هَذَا الْمَقَامُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ تُورِثُ زِيَادَةً فِي قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ. اهـ. أَقُولُ: بَلْ مِنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ الْآخَرِ بُدٌّ بِقَوْلِهِ أَوْ تَزِيدَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً؛ لِأَنَّ مَا لَا يُورِثُ زِيَادَةً فِي قِيمَةِ الْمَوْهُوبِ نُقْصَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الزِّيَادَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً حَتَّى صَاحِبُ الْعِنَايَةِ نَفْسُهُ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ، فَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ عَادَتْ نُقْصَانًا، فَرُبَّ زِيَادَةِ صُورَةٍ كَانَتْ نُقْصَانًا فِي الْمَعْنَى كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ مَثَلًا. اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى قَيْدٍ زَائِدٍ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>