فَتَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ عِنْدَ فَوَاتِهِ، إذْ الْعَقْدُ يَقْبَلُهُ، وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ اسْتِبْدَادٍ وَالرُّجُوعُ وَإِثْبَاتُهُ لِلْوَالِدِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ لِلْحَاجَةِ وَذَلِكَ يُسَمَّى رُجُوعًا. وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَلَهُ الرُّجُوعُ لِبَيَانِ الْحُكْمِ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلَازِمَةٌ لِقَوْلِهِ ﵊ «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» وَهَذَا لِاسْتِقْبَاحِهِ.
وَإِلَى مَنْ يُسَاوِيهِ لِيُعَوِّضَهُ انْتَهَى. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: الْمَفْهُومُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ خِلَافُ الْمُدَّعَى حَيْثُ خَصَّ التَّعْوِيضَ بِالْمُتَسَاوِيَيْنِ وَالْمُدَّعَى كَانَ أَعَمَّ انْتَهَى. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا الدَّخْلِ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: قُلْت: فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَّا فِي الثَّالِثِ، وَمَعَ هَذَا لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْكُلِّ مَا لَمْ يُعَوَّضْ انْتَهَى. أَقُولُ: يُمْكِنُ تَوْجِيهُ مَا ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْوِيضِ فِي قَوْلِهِ وَإِلَى مَنْ يُسَاوِيهِ لِيُعَوِّضَهُ هُوَ التَّعْوِيضُ الْمَالِيُّ، وَبِالتَّعْوِيضِ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ هُوَ التَّعْوِيضُ مَا يَعُمُّ التَّعْوِيضَ بِالصِّيَانَةِ وَبِالْخِدْمَةِ وَبِالْمَالِ، فَالْمَخْصُوصُ بِالْمُتَسَاوِيَيْنِ هُوَ التَّعْوِيضُ الْمَالِيُّ، وَأَمَّا التَّعْوِيضُ الْمُطْلَقُ فَيُوجَدُ فِي الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى وَالْمُسَاوِي، وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ يَشْمَلُ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ فَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ الْمُدَّعَى أَعَمَّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ مَا لَمْ يُعَوَّضْ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَيْسَ بِمُنْفَرِدٍ فِي ذَلِكَ التَّقْرِيرِ بَلْ سَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَغَيْرُهُ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: تَوْضِيحُهُ أَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ الْهِبَةِ لِلْأَجَانِبِ الْعِوَضُ وَالْمُكَافَأَةُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُهْدِي إلَى مَنْ فَوْقَهُ لِيَصُونَهُ بِجَاهِهِ وَإِلَى مَنْ دُونَهُ لِيَخْدُمَهُ وَإِلَى مَنْ يُسَاوِيهِ لِيُعَوِّضَهُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: الْأَيَادِي قُرُوضٌ انْتَهَى. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ التَّسْهِيلِ اعْتَرَضَ عَلَى أَصْلِ هَذَا الدَّلِيلِ حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ: عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ لَوْ قُيِّدَ بِنَفْيِ الْعِوَضِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ ﵊ " مَا لَمْ يُعَوَّضْ " يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ وَإِنْ قُيِّدَ بِنَفْيِ الْعِوَضِ. انْتَهَى.
أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِإِنَّا لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَ أَنَّ الْعِوَضَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ عِنْدَ التَّقْيِيدِ بِنَفْيِ الْعِوَضِ، فَإِنَّ التَّعْوِيضَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَيْسَ بِإِيجَابِ الْوَاهِبِ إيَّاهُ وَإِلْغَائِهِ بَلْ بِحَسَبِ مُرُوءَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَجَرْيِ الْعَادَةِ عَلَى التَّعْوِيضِ، وَبِنَفْيِ الْوَاهِبِ التَّعْوِيضَ لَا يَفُوتُ ذَلِكَ، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ نَفْيُهُ إيَّاهُ سَبَبًا لِهَيَجَانِ مُرُوءَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ الْوَاهِبُ بِنَفْيِهِ إيَّاهُ ذَلِكَ الْمَعْنَى. وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ظُهُورَ ذَلِكَ فَنَقُولُ: الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ عِلَّةٌ نَوْعِيَّةٌ لِإِثْبَاتِ نَوْعِ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاطِّرَادَ فِي كُلِّ صُورَةٍ كَمَا قَالُوا مِثْلَ هَذَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ وَجْهَيْ عَدَمِ جَوَازِ هِبَةِ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقَسَّمُ فِيمَا مَرَّ فَتَذَكَّرْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ لِلْحَاجَةِ وَذَلِكَ يُسَمَّى رُجُوعًا) أَيْ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْحُكْمِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَعَامَّةِ الشُّرُوحِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: بَلْ شِرَاءً إضْرَابًا عَنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْحُكْمِ. أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِتَمَلُّكِ الْوَالِدِ هَاهُنَا تَمَلُّكُهُ بِطَرِيقِ الِاتِّفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ لَا بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مِمَّا لَا مِسَاسَ لَهُ بِالْهِبَةِ فَلَا يُنَاسِبُ تَأْوِيلَ الْحَدِيثِ الْمَزْبُورِ قَطْعًا؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ لِلْحَاجَةِ يُعَيِّنُ الْأَوَّلَ؛ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْحَاجَةِ فِي تَمَلُّكِهِ بِالشِّرَاءِ، عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِالْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَلَدِ وَلَا قَضَاءِ الْقَاضِي إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ شُرُوحِ هَذَا الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِالرُّجُوعِ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ إلَى ذَلِكَ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ، أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلَازِمَةٌ لِقَوْلِهِ ﵊ «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» وَهَذَا لِاسْتِقْبَاحِهِ) قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: قِيلَ قَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى كَرَاهَةِ الرُّجُوعِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ثُمَّ يَشْتَرِطُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute