للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا ثَابِتًا لَهُ فَيَظْهَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ،

يَبْطُلُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَالشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ. أَقُولُ: فِي قَوْلِهِمْ وَلِهَذَا يَبْطُلُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ خَلَلٌ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ: أَيْ فِيمَا يُوجَدُ فِيهِ الْمَانِعُ عَنْهُ، وَفِيمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِكَوْنِهِ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فِي الْجَمِيعِ، فَلَا يَصِحُّ تَفْرِيعُ بُطْلَانِهِ فِي صُوَرِ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ عَنْهُ عَلَى كَوْنِهِ ثَابِتًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، إذْ لَوْ كَانَ عِلَّةُ الْبُطْلَانِ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَبْطُلَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ؛ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهِ عَنْ تِلْكَ الْعِلَّةِ فِي صُورَةٍ.

فَالصَّوَابُ أَنَّ بُطْلَانَهُ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاقِعِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفَصَّلَةِ فِي مَسَائِلِهَا لَا لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ بَحْثٌ لِانْتِقَاضِهِ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. أَقُولُ: هَذَا سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِانْتِقَاضِهِ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ضَعِيفًا فَمَا الْمَحْذُورُ فِي ذَلِكَ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ثَبَتَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا: كُلُّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ الْأَحْكَامِ يَخْتَصُّ بِمَوْرِدِ النَّصِّ، بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ بِهِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مَوْقُوفًا عَلَى الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ: وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِدُونِ الرِّضَا أَوْ الْقَضَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ لَهُ مَجْمُوعُ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَصْلِهِ وَهَاءٌ، وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ، وَلَا تَجْرِي هَذِهِ الْعِلَّةُ بِتَمَامِهَا فِي كُلِّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا انْتِقَاضَ بِهِ.

ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ الْمُطَرِّزَيَّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ مَصْدَرُ وَهِيَ الْحَبْلُ يَهِي وَهَيَا إذَا ضَعُفَ اهـ. وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِشَيْءٍ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ أَيْضًا وَقَالَ: وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ مَدَّ الْمَقْصُورِ السَّمَاعِيِّ لَيْسَ بِخَطَأٍ وَتَخْطِئَةِ مَا لَيْسَ بِخَطَإٍ خَطَأٌ. اهـ. وَلَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فَطَانَةٍ أَنَّ الْخَطَأَ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْوَهْيَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ: وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ مَقْصُورُ الْوَهَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا بَلْ هُوَ عَلَى وَزْنِ الْفِعْلِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْهَاءِ كَالرَّمْيِ، وَمِنْ الْبَيِّنِ فِيهِ قَوْلُ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ: مَصْدَرٌ وَهِيَ الْحَبْلُ يَهِي وَهْيًا حَيْثُ قَالَ وَهْيًا، وَلَوْ كَانَ مَقْصُورًا لَقَالَ وَهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ تَفَطَّنَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ لِهَذَا حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ: لِأَنَّ مَدَّ الْمَقْصُورِ السَّمَاعِيِّ لَيْسَ بِخَطَإٍ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَ مَدِّ الْمَقْصُورِ السَّمَاعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِ الْمَقْصُورِ حَتَّى يُمَدَّ، وَالْمَصْدَرُ هَاهُنَا عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ بِتَسْكِينِ الْعَيْنِ فَمِنْ أَيْنَ يَتَأَتَّى الْمَدُّ. اهـ.

وَلَكِنَّ خَطَأَ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فَصَاحِبُ الْمُغْرِبِ مُصِيبٌ مِنْ وَجْهٍ فِي قَوْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ: يَعْنِي بِتَسْكِينِ الْعَيْنِ، وَمُخْطِئٌ مِنْ وَجْهٍ فِي قَوْلِهِ الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ هَذَا أَيْضًا مَصْدَرٌ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ كَمَا تَقُولُ فِي قَلَى يَقْلِي قَلْيًا وَقَلَّاءً عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ وَوَهَاءٌ كَذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقَلْيُ الْبُغْضُ، فَإِنْ فَتَحْت الْقَافَ مَدَدْت تَقُولُ قَلَاهُ يَقْلِيهِ قَلْيًا وَقَلَّاءً. اهـ كَلَامُهُ. أَقُولُ: أَخْطَأَ هَذَا الشَّارِحُ أَيْضًا فِي تَخْطِئَةِ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْوَهَاءِ عَلَى وَزْنِ بَعْضِ الْمَصَادِرِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَفْسُهُ أَيْضًا مَصْدَرًا، إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأَدَبِ أَنَّ مَصْدَرَ الثَّلَاثِي سَمَاعِيٌّ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ، فَمَجِيءُ الْقَلَّاءِ مَصْدَرًا مِنْ قَلَى يَقْلِي كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَهَاءُ أَيْضًا مَصْدَرًا مِنْ وَهَى يَهِي، فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَسْمُوعٌ دُونَ الثَّانِي.

وَقَوْلُ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَسْمُوعٍ فَلَا غُبَارَ فِيهِ عَلَى أَنَّ تَخْطِئَتَهُ إيَّاهُ فِي قَوْلِهِ الْوَهَاءُ بِالْمَدِّ خَطَأٌ يُنَافِي تَصْوِيبَهُ إيَّاهُ فِي قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْوَهْيُ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ هَذَا قَصْرَ مَصْدَرِ وَهَى يَهِي عَلَى الْوَهْيِ بِتَسْكِينِ الْهَاءِ، فَكَوْنُ وَهَاءٍ أَيْضًا مَصْدَرًا مِنْهُ يُنَافِي ذَلِكَ قَطْعًا. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْكَافِي وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُ مِنْ الشُّرَّاحِ كَصَاحِبَيْ الْكِفَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اسْتَدَلُّوا عَلَى مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ حَيْثُ قَالُوا: وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخُ الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ مِنْهُمَا لِوِلَايَتِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>