للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَاكَ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ فَافْتَرَقَا.

قَالَ: (وَإِذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ وَاسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ وَضَمِنَ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْوَاهِبِ بِشَيْءٍ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ السَّلَامَةَ، وَهُوَ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ، وَالْغُرُورُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ سَبَبُ الرُّجُوعِ لَا فِي غَيْرِهِ.

قَالَ: (وَإِذَا وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ اُعْتُبِرَ التَّقَابُضُ فِي الْعِوَضَيْنِ، وَتَبْطُلُ بِالشُّيُوعِ)؛ لِأَنَّهُ هِبَةٌ ابْتِدَاءً (فَإِنْ تَقَابَضَا صَحَّ الْعَقْدُ وَصَارَ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَتُسْتَحَقُّ فِيهِ الشُّفْعَةُ)؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ انْتِهَاءً. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْبَيْعِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ بِعِوَضٍ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي، وَلِهَذَا كَانَ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقًا.

بِفَسْخِ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، إذْ قَدْ مَرَّ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَبَضَ الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَفِي الْعَقْدِ عِوَضَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مَلَكَ الْبَيْعَ وَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ.

ثُمَّ إنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهِ فَسْخَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلِمَنْ لَهُ الشَّرْطُ إنْ كَانَ بِشَرْطٍ زَائِدٍ فَصَحَّ فَسْخُ الْعَقْدِ هُنَاكَ مِنْ أَحَدِهِمَا بِدُونِ رِضَا الْآخَرِ وَلَا الْقَضَاءِ بِهِ، فَصَارَ الدَّلِيلُ الْمَزْبُورُ مَنْقُوضًا بِهِ بَلْ هُوَ مَنْقُوضٌ أَيْضًا بِسَائِرِ الْعُقُودِ الْغَيْرِ اللَّازِمَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهَا بِأَسْرِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُمْ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ إذَا الْحَقُّ هُنَاكَ لِلْمُشْتَرِي فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ، وَالْحَقُّ هَاهُنَا لِلْوَاهِبِ فِي نَفْسِ الْفَسْخِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْوَجْهِ فَلَا يَقْتَضِي عَدَمُ انْفِرَادِ الْمُشْتَرِي هُنَاكَ بِالْفَسْخِ عَدَمَ انْفِرَادِ الْوَاهِبِ هَاهُنَا بِهِ فَلَا يَتِمُّ الْقِيَاسُ وَلَا التَّشْبِيهُ تَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَاكَ فِي وَصْفِ السَّلَامَةِ لَا فِي الْفَسْخِ فَافْتَرَقَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِ لَا فِي الْفَسْخِ: لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعَقْدِ، فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ تَامًّا لَمْ يَقْتَضِ الْفَسْخَ. انْتَهَى.

أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ تَامًّا لَمْ يَقْتَضِ ثُبُوتَ الْفَسْخِ بِالْفِعْلِ أَلْبَتَّةَ فَهُوَ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الْكَلَامَ فِي حَقِّ الْفَسْخِ لَا فِي ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِالْفِعْلِ أَلْبَتَّةَ فَلَا يَتِمُّ التَّقْرِيبُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَقْدُ تَامًّا لَمْ يَقْتَضِ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ يَتِمُّ بِالْقَبْضِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَمَعَ هَذَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ عِنْدَنَا بِمُوجِبِ قَوْلِهِ «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» وَلِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِالْعَقْدِ عَادَةً عِنْدَ عَدَمِ التَّعْوِيضِ مِنْهَا كَمَا تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا حَقُّ الْفَسْخِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَيْبِ بِنَاءً عَلَى فَوَاتِ مَقْصُودِهِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ. فَالْأَظْهَرُ فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقْتَضِيَ ثُبُوتَ حَقِّ الْفَسْخِ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِكَوْنِ ذَلِكَ مُنَافِيًا لِلُّزُومِ الْعَقْدِ، بِخِلَافِ عَقْدِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ عَقْدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>