الْبَيْعِ «؛ لِأَنَّهُ ﵊ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَلِأَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ فِي مَعْنَى الرِّبَا، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ دُونَ التَّبَرُّعَاتِ.
قَالَ: (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَهِيَ لَك أَوْ أَنْتَ مِنْهَا بَرِيءٌ. أَوْ قَالَ: إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ النِّصْفَ فَلَكَ نِصْفُهُ أَوْ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ النِّصْفِ الْبَاقِي فَهُوَ بَاطِلٌ)؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ تَمْلِيكٌ مِنْ وَجْهٍ إسْقَاطٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهِبَةُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ إبْرَاءٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ تَمْلِيكًا،
لَا يَصِحُّ: أَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ دَارًا، وَقَوْلُهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَارٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ قَوْلَهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا بِقَوْلِهِ أَوْ وَهَبَ دَارًا كَانَ هِبَةً بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ فِي الصَّدَقَةِ لَا فِي الْهِبَةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ اشْتِرَاطُ التَّعْوِيضِ مَوْصُولًا بِقَوْلِهِ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَارٍ، اللَّهُمَّ إلَّا إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا أَنْ يَرُدَّ بَعْضَ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْوَاهِبِ بِطَرِيقِ الْعِوَضِ لِكُلِّ الدَّارِ، فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ صَرْفُ قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا إلَى قَوْلِهِ: وَإِذَا وَهَبَ دَارًا إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ الْمَحْضُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةِ شَيْءٍ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَدْ اقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ كَمَا هُوَ دَأَبُهُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ. أَقُولُ: فِي تَحْرِيرِهِمَا قُصُورٌ إذْ لَا يَذْهَبُ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا سِيَّمَا بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا إنَّمَا هُوَ أَنْ يَرُدَّ بَعْضَ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْوَاهِبِ بِطَرِيقِ الْعِوَضِ عَنْ كُلِّ الدَّارِ، وَالْمَعْنَى الْآخَرُ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ إلَّا بِتَعَسُّفٍ بَعِيدٍ، وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ ضَمِيرُ مِنْهَا فِي قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا إلَى مَا هُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ هَاهُنَا أَصْلًا كَلَفْظِ الْأَعْوَاضِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْ الْأَعْوَاضِ لَا مِنْ الدَّارِ، فَاسْتِبْعَادُ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظَةُ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا أَنْ يَرُدَّ بَعْضَ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى الْوَاهِبِ بِطَرِيقِ الْعِوَضِ لِكُلِّ الدَّارِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ. ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَطْعِيٌّ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَهَبُ لِلرَّجُلِ هِبَةً أَوْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا أَوْ بَعْضَهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا قَالَ: الْهِبَةُ جَائِزَةٌ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَا يُعَوِّضُهُ شَيْئًا مِنْهَا، إلَى هُنَا لَفْظُهُ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ ثُلُثَ الدَّارِ أَوْ رُبُعَهَا بَعْضٌ مِنْهَا، فَاسْتِبْعَادُ إرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى بَلْ تَجْوِيزُ إرَادَةِ مَعْنًى آخَرَ بِالنَّظَرِ إلَى لَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الَّذِي هُوَ مَأْخَذُ عِبَارَةِ الْكِتَابِ خَطَأٌ ظَاهِرٌ، لَكِنْ بَقِيَ لُزُومُ التَّكْرَارِ وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَكَأَنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ تَنَبَّهَ لِسَمَاجَةِ الِاسْتِبْعَادِ الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ لَفْظَةُ اللَّهُمَّ الْوَاقِعَةُ فِي كَلَامِ الشَّارِحَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ حَيْثُ غَيَّرَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أُسْلُوبَ تَحْرِيرِهِمَا فَقَالَ وَقَوْلُهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فِيهِ إشْكَالٌ، فَإِنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَهِيَ، وَالشَّرْطُ جَائِزَانِ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: بَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ فَهُوَ تَكْرَارٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا. انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: وَلَوْ اطَّلَعَ عَلَى أَصْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَتَرَكَ التَّرْدِيدَ أَيْضًا، بَلْ قَصَرَ عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي لِكَوْنِ ذَلِكَ نَصًّا فِي هَذَا الشِّقِّ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ آنِفًا. ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ كَأَنَّهُ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلشِّقِّ الْأَوَّلِ أَصْلًا، بَلْ سَاقَ كَلَامَهُ عَلَى أَنْ يَتَقَرَّرَ الشِّقُّ الثَّانِي وَلَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فَقَالَ: وَلَا يُتَوَهَّمُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا أَوْ يُعَوِّضَهُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute