وَوَصْفٌ مِنْ وَجْهٍ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَ إسْقَاطًا، وَلِهَذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ.
لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عِوَضًا، فَإِنَّ كَوْنُهُ عِوَضًا إنَّمَا هُوَ بِأَلْفَاظٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا انْتَهَى. أَقُولُ: فِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ التَّعْوِيضَ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ إلَّا أَنَّهُ يَشْمَلُ ذَلِكَ وَيَعُمُّهُ، إذْ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ أَعْطَاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْوَاهِبَ عِوَضًا عَنْ كُلِّ الدَّارِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ عَلَى الْوَاهِبِ، فَكَانَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا مُغْنِيًا عَنْ قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ الثَّانِي فَائِدَةٌ، وَهَذَا مُرَادُ مَنْ ادَّعَى لُزُومَ التَّكْرَارِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا مَصْرُوفًا أَيْضًا إلَى الْهِبَةِ دُونَ التَّصَدُّقِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ ادِّعَاءَ لُزُومِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَفْهُومِ أَوْ فِي الصِّدْقِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ حَتَّى يُفِيدَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ.
قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا يَرْجِعُ إلَى التَّصَدُّقِ، فَإِنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِذَا وَهَبَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَالشَّرْطُ صَحِيحٌ. أَقُولُ: إذَا وَهَبَ بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَ شَيْئًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَشَرْطُ الْعِوَضِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مَعْلُومًا، فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ يُعَوِّضَهُ يَرْجِعُ إلَى الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ. وَأَقُولُ: التَّوْجِيهُ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ خِلَافُ مَا أَرَادَهُ وَاضِعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ وَاضِعَهَا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ ﵀ وَمَوْضِعُهَا الْجَامِعُ الصَّغِيرُ وَلَفْظُهُ فِيهِ: أَوْ يُعَوِّضَهُ ثُلُثَهَا أَوْ رُبُعَهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ ثُلُثَ الدَّارِ أَوْ رُبُعَهَا أَمْرٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ، فَكَانَ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا، إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا الْمُصَنِّفِينَ لَمَّا قَصَدُوا الْإِجْمَالَ غَيَّرُوا عِبَارَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالُوا: أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا، فَلَفْظُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِمْ لَا مِنْ كَلَامِ الْوَاهِبِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ اشْتِرَاطُ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ.
ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ رَدَّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ الْمَوْهُوبِ يَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مَعْلُومٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ قَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ إذَا وَهَبَ دَارًا أَوْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِشَرْطِ أَنْ يُعَوِّضَهُ بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْهَا أَوْ دِرْهَمًا وَاحِدًا مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ تَصِحُّ الْهِبَةُ، وَالشَّرْطُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْهِبَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ لِانْعِدَامِ الْعِوَضِ. وَقَالَ ذَلِكَ الْبَعْضُ: وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ فَسَادُ مَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. أَقُولُ: كَلَامُهُ نَاشِئٌ مِنْ عَدَمِ تَحْقِيقِ الْمَقَامِ وَفَهْمِ الْمُرَادِ، فَإِنَّ مَدَارَ مَا رَآهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَمَا ذَكَرَهُ نَفْسُهُ فِي رَدِّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّعْوِيضِ فِي قَوْلِهِ أَوْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا مِنْهَا هُوَ التَّعْوِيضُ بِعِوَضٍ خَارِجٍ عَنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ، فَالْمَفْهُومُ مِمَّا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَمِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي إنَّمَا هُوَ كَوْنُ شَرْطِ الْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ الْخَارِجِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ صَحِيحًا، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ بِلَا رَيْبٍ.
وَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بَلْ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ هُوَ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْوَاهِبُ أَنْ يُعَوِّضَهُ بَعْضًا مِنْ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ تَصِحُّ الْهِبَةُ وَيَفْسُدُ الشَّرْطُ، وَهَذَا أَيْضًا أَمْرٌ مُقَرَّرٌ إلَّا عِنْدَ زُفَرَ، وَلَكِنَّ كَوْنَ الشَّرْطِ صَحِيحًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ بِمَفْهُومٍ مِمَّا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَا مِمَّا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي، فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمَا مَا تَوَهَّمَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ. نَعَمْ يَرُدُّ عَلَى مَدَارِهِمَا أَنَّهُ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ أَصْلًا فِي أَصْلِ وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَلَكِنَّهُ كَلَامٌ آخَرُ فَلْيُتَأَمَّلْ جِدًّا، فَإِنَّ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ، وَالتَّدْقِيقَ فِيمَا صَدَرَ عَنْ الْقَوْمِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute