للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَّا أَنَّ فِي الْأَوْقَافِ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ كَيْ لَا يَدَّعِيَ الْمُسْتَأْجِرُ مِلْكَهَا وَهِيَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ هُوَ الْمُخْتَارُ. قَالَ: (وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِنَفْسِهِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى صَبْغِ ثَوْبِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً؛ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِقْدَارًا مَعْلُومًا أَوْ يَرْكَبَهَا مَسَافَةً سَمَّاهَا)؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ وَلَوْنَ الصَّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولَ وَجِنْسَهُ وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ الْعَقْدُ،

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَشْرُوطًا بِكَوْنِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ كَانَتْ الْأُجْرَةُ أَيْضًا مَشْرُوطَةً بِكَوْنِهَا ثَمَنَ الْمَنْفَعَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْمَشْرُوطَ بِذَلِكَ ثَمَنُ الْمَبِيعِ لَا ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ. قُلْنَا: فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ مُخَالِفًا لِثَمَنِ الْمَبِيعِ فِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَشْرُوطًا بِشَيْءٍ دُونَ الْآخَرِ، فَهَلْ يَتِمُّ الْقِيَاسُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَأَوْرَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَلَى الْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: فَيَلْزَمُ خُلُوُّ الْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ فِيمَا إذَا بِيعَ الدَّارُ بِالدَّارِ، إذْ لَا يَجِبُ الْعَقَارُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.

أَقُولُ: إنْ كَانَ مُرَادُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ مُجَرَّدَ إلْزَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ فِي نَظَرِهِ السَّابِقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَصْلُحْ الْعَيْنُ ثَمَنًا كَانَتْ الْمُقَايَضَةُ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَهُ وَجْهٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِهِ إيرَادَ إشْكَالٍ عَلَى ذَلِكَ الْجَوَابِ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، إذْ اللَّازِمُ مِنْ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ خُلُوُّ الْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ بِمَعْنَى مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فِيمَا إذَا بِيعَ الدَّارُ بِالدَّارِ لَا خُلُوُّهُ عَنْ الثَّمَنِ بِمَعْنَى الْعِوَضِ الْمُقَابِلِ لِلْمَبِيعِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، وَالْمَحْذُورُ خُلُوُّهُ عَنْ الثَّمَنِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي دُونَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ كَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ (قَوْلُهُ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِنَفْسِهِ) أَيْ بِنَفْسِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ، كَذَا ذَكَرَ الشُّرَّاحُ قَاطِبَةً وَلَمْ يَنْقُلْ عَامَّتُهُمْ نُسْخَةً أُخْرَى.

وَأَمَّا صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ: وَتَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالتَّسْمِيَةِ. أَقُولُ: لَعَلَّ الصَّوَابَ هَذِهِ النُّسْخَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِي هَذَا النَّوْعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَقَطْ، بَلْ إنَّمَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِتَسْمِيَةِ أُمُورٍ كَبَيَانِ الثَّوْبِ وَأَلْوَانِ الصَّبْغِ وَقَدْرِهِ فِي اسْتِئْجَارِ رَجُلٍ عَلَى صَبْغِ ثَوْبٍ وَبَيَانِ الثَّوْبِ وَجِنْسِ الْخِيَاطَةِ فِي اسْتِئْجَارِ رَجُلٍ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبَيَانِ الْقَدْرِ الْمَحْمُولِ وَجِنْسِهِ، وَالْمَسَافَةِ فِي اسْتِئْجَارِ رَجُلٍ دَابَّةً لِلْحَمْلِ أَوْ الرُّكُوبِ عَلَى مَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ الثَّوْبَ وَأَلْوَانَ الصَّبْغِ وَقَدْرَهُ وَجِنْسَ الْخِيَاطَةِ، وَالْقَدْرَ الْمَحْمُولِ وَجِنْسَهُ، وَالْمَسَافَةَ صَارَتْ الْمَنْفَعَةُ مَعْلُومَةً فَصَحَّ الْعَقْدُ، فَكَمَا أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِي النَّوْعِ السَّابِقِ، وَالنَّوْعِ اللَّاحِقِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَقَطْ بَلْ إنَّمَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِي النَّوْعِ السَّابِقِ بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَفِي النَّوْعِ اللَّاحِقِ بِالتَّعْيِينِ وَالْإِشَارَةِ، كَذَلِكَ لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِي هَذَا النَّوْعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَقَطْ، بَلْ إنَّمَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً فِيهِ بِتَسْمِيَةِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ الْبَيَانِ كَمَا أُشِيرَ إلَى بَعْضِهَا فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَلَمْ يَكُنْ لِنِسْبَةِ صَيْرُورَةِ الْمَنَافِعِ مَعْلُومَةً فِي هَذَا النَّوْعِ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ.

وَعَنْ هَذَا لَا تَرَى عِبَارَةَ بِنَفْسِهِ مَذْكُورَةً فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ سِوَى نُسْخَةِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ، وَإِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ مَوْضِعٌ بِنَفْسِهِ بِالتَّسْمِيَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ، وَالْمُخْتَارِ، أَوْ بِذِكْرِ الْعَمَلِ كَمَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَبَعْضِ الْمُتُونِ.

(قَوْلُهُ: وَرُبَّمَا يُقَالُ الْإِجَارَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>