للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَنْفِي صَلَاحِيَّةَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ (وَالْمَنَافِعُ تَارَةً تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالْمُدَّةِ كَاسْتِئْجَارِ الدُّورِ، لِلسُّكْنَى وَالْأَرْضِينَ لِلزِّرَاعَةِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ)؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً كَانَ قَدْرُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا مَعْلُومًا إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ لَا تَتَفَاوَتُ. وَقَوْلُهُ أَيِّ مُدَّةٍ كَانَتْ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَلِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا عَسَى،

إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ الثَّمَنَ الْوَاقِعَ فِي لَفْظِ الْقُدُورِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي يَعُمُّ الدَّيْنَ، وَالْعَيْنَ، وَهُوَ الْعِوَضُ الْمُقَابِلُ لِلْمَبِيعِ كَمَا حَمَلَ الزَّيْلَعِيُّ الثَّمَنَ الْوَاقِعَ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْكَنْزِ، وَمَا صَحَّ ثَمَنًا صَحَّ أُجْرَةً عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ، مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَنُ الْمَنْفَعَةِ فَتُعْتَبَرُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ يَتَحَمَّلُ التَّعْمِيمَ لِصُورَتَيْ الدَّيْنِ، وَالْعَيْنِ كَمَا تَرَى.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الثَّمَنِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ هُوَ مَعْنَى مَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَكَانَ لَفْظُ الْقُدُورِيِّ غَيْرَ مُوَفٍّ حَقَّ الْمَقَامِ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِ الثَّمَنِ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ الْعَامِّ لِلْعَيْنِ أَيْضًا فَإِنَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَعْنَى الْعَامِّ لِلْعَيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونَ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ ثَمَنًا فِي الْبَيْعِ أَصْلًا وَتَصْلُحُ أُجْرَةً فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَنَافِعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. حَمَلَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَ الثَّمَنِ الْوَاقِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ وَقَالَ: تَتْمِيمًا لِهَاتِيكَ الْمَسْأَلَةِ وَمَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَيْضًا كَالْأَعْيَانِ، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْحَدِّ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَكُونُ أَثْمَانًا وَتَكُونُ أُجْرَةً، وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَالِبُ، إلَى هُنَا لَفْظُهُ. وَلَكِنَّ الْإِنْصَافَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ كَانَتْ حَقِيقًا بِأَنْ تُذْكَرَ فِي تَمْثِيلِ مَا لَا يَصْلُحُ ثَمَنًا وَيَصْلُحُ أُجْرَةً، فَإِنَّ كَوْنَ الْمَنْفَعَةِ مِمَّا يَصْلُحُ أُجْرَةً أَخْفَى مِنْ كَوْنِ الْأَعْيَانِ مِنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ، بِخِلَافِ كَوْنِ الْأَعْيَانِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَفَادَ مِنْهَا بِحَمْلِ الثَّمَنِ عَلَى الْمَعْنَى الْعَامِّ لِلْعَيْنِ أَيْضًا كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عِوَضٌ مَالِيٌّ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى تَأْوِيلِ الْأَجْرِ عِوَضٌ مَالِيٌّ فَيُعْتَمَدُ وُجُودُ الْمَالِ، وَالْأَعْيَانَ مَالٌ فَتَصِحُّ أَنْ تَكُونَ أُجْرَةً، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ بَعْدَمَا شَرَحَ الْمَحَلَّ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الثَّمَنُ عِوَضٌ مَالِيٌّ إلَخْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الثَّمَنَ مَشْرُوطٌ بِكَوْنِهِ مِمَّا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ كَالنُّقُودِ، وَالْمُقَدَّرَاتِ الْمَوْصُوفَةِ الَّتِي تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ الْأُجْرَةِ، إلَى هُنَا كَلَامُهُ.

أَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>