للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: (الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتُسْتَحَقُّ بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا بِشَرْطِ التَّعْجِيلِ، أَوْ بِالتَّعْجِيلِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ،

الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ بِلَا خِيَارِ شَرْطٍ وَجَبَ إفْرَادُهَا بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ لِبَيَانِ وَقْتِ التَّمَلُّكِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ. اهـ كَلَامُهُ.

أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ تَخَلُّفَ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا كَالْهِبَةِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ هُنَاكَ أَيْضًا بِنَفْسِ الْعَقْدِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ، وَكَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ أَيْضًا يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ فَلَا يَتِمُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ تُخَالِفُ غَيْرَهَا فِي تَخَلُّفِ الْمِلْكِ عَنْ الْعَقْدِ بِلَا خِيَارِ شَرْطٍ. ثُمَّ أَقُولُ: الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَئِمَّةِ الشَّرْعِ، وَكَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ حَسُنَ إفْرَادُ بَابٍ لِبَيَانِ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ (قَوْلُهُ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: أَرَادَ وُجُوبَ الْأَدَاءِ، أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَيَثْبُتُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ. وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: الْمُرَادُ نَفْسُ الْوُجُوبِ لَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ إجْمَالًا وَتَفْصِيلًا. أَمَّا إجْمَالًا فَلِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَوْ كَانَتْ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ وُجُودِ أَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ لَا يُعْتَقُ، فَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْوُجُوبِ ثَابِتًا لَصَحَّ إعْتَاقُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ. وَأَمَّا تَفْصِيلًا فَلِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ وَلَمْ تُوجَدْ فِي جَانِبِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا نَفْسُ الْوُجُوبِ، وَلَا وُجُوبُ الْأَدَاءِ، فَكَذَا فِي جَانِبِ الْعِوَضِ انْتَهَى.

وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ: أَيْ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا وَأَدَاؤُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، كَذَا وَجَدْتُ بِخَطِّ شَيْخِي. وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ إيفَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّعْجِيلُ فِي الْأُجْرَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأُجْرَةُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ، وَفِي كِتَابِ التَّحَرِّي. وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَاتِ أَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ عَيْنًا لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، فَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ وَكِتَابِ التَّحَرِّي.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ، وَالتَّحَرِّي قَوْلًا آخِرًا، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. أَقُولُ: تَأْيِيدُ مَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ كَوْنُ مَعْنَى عِبَارَةِ الْكِتَابِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ قَبْلَ أَنْ قَالَ: وَلَا يَجِبُ إيفَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّعْجِيلُ فِي الْأُجْرَةِ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا كَمَا لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ فَتَمَّ، بِخِلَافِ مَا فِي الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ قَالَ الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ فِي الْعَقْدِ، فَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الْأُجْرَةُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا وَأَدَاؤُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَدَمُ تَمَلُّكِهَا بِمُجَرَّدِهِ: أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ مِمَّا يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْبَيْعِ بِلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>