للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ صَارَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ. وَلَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْعَقْدُ مُعَاوَضَةٌ، وَمِنْ قَضِيَّتِهَا الْمُسَاوَاةُ، فَمِنْ ضَرُورَةِ التَّرَاخِي فِي جَانِبِ الْمَنْفَعَةِ التَّرَاخِي

خِيَارٍ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ وَأَدَاؤُهُ فِي الْحَالِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فِي الْبِيَاعَاتِ الْمُؤَجَّلَةِ بَلْ يَتَأَخَّرُ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِذَا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ ذَلِكَ لَمْ يَفْدِ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتِمَّ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: الْأُجْرَةُ لَا تَجِبُ بِالْعَقْدِ مَعْنَاهُ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهَا وَأَدَاؤُهَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ؛ لِأَنَّ نَفْيَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ التَّمَلُّكِ كَالْمَبِيعِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ مَا لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ.

وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ لَا تُمْلَكُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُمْلَكُ وَمَا لَا يُمْلَكُ لَمْ يَجِبْ إيفَاؤُهُ. وَقَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: فَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ نَفْيُ الْوُجُوبِ نَفْيَ التَّمَلُّكِ كَانَ أَعَمَّ مِنْهُ، وَذِكْرُ الْأَعَمِّ وَإِرَادَةُ الْأَخَصِّ لَيْسَ بِمَجَازٍ شَائِعٍ؛ لِعَدَمِ دَلَالَةِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ أَصْلًا.

قُلْتُ: أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَنَفَى الْوُجُوبَ فِيهَا وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ التَّمَلُّكِ لَا مَحَالَةَ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

أَقُولُ: لَا السُّؤَالُ بِشَيْءٍ وَلَا الْجَوَابُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ ذِكْرَ الْأَعَمِّ وَإِرَادَةَ الْأَخَصِّ إنَّمَا لَيْسَ بِمَجَازٍ شَائِعٍ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ قَرِينَةٌ مُخَصِّصَةٌ، وَأَمَّا إذَا تَحَقَّقَتْ الْقَرِينَةُ فَذَلِكَ مَجَازٌ شَائِعٌ وُقُوعُهُ فِي كَلِمَاتِ الْقَوْمِ حَتَّى تَعْرِيفَاتِهِمْ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا التَّحَرُّزُ عَمَّا يُورِثُ خَفَاءَ الْمُرَادِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ قَدْ تَحَقَّقَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَةِ الْأَخَصِّ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الشَّارِحُ الْمَزْبُورُ حَيْثُ قَالَ فِيمَا بَعْدُ: يَدُلُّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْخِلَافِ مُتَّحِدًا.

وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَنَفَى الْوُجُوبَ فِيهَا أَنَّهُ قَصَدَ نَفْيَ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ بِدُونِ أَنْ يَجْعَلَهُ مَجَازًا عَنْ نَفْيِ التَّمَلُّكِ لَمْ يَكُنْ مُطَابِقًا لِقَوْلِهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَاهُ لَا تُمْلَكُ وَإِنَّمَا مَوْرِدُ السُّؤَالِ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ نَفْيَ الْوُجُوبِ مَجَازًا عَنْ نَفْيِ التَّمَلُّكِ لِعَلَاقَةِ الِاسْتِلْزَامِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَوْلِهِ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا مِمَّا يُمْلَكُ، وَإِذَا كَانَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مِنْهَا هُوَ الدَّيْنُ دُونَ الْعَيْنِ فَنَفْيُ التَّمَلُّكِ بِالْعَقْدِ يَنْتَظِمُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأُجْرَةِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْهَا وَهُوَ الدَّيْنُ الثَّابِتُ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى أَنْ يُقَالَ: أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ التَّمَلُّكِ لَا مَحَالَةَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْعَيْنَ مِمَّا لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا يُمْلَكُ قَطْعًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَإِنَّ فِي صُورَةِ التَّعْجِيلِ يُوجَدُ الْمِلْكُ بِلَا وُجُوبٍ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُمْلَكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الْمَعْدُومَةَ صَارَتْ مَوْجُودَةً حُكْمًا ضَرُورَةَ تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>