للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ فَصَحَّ الْعَقْدُ (وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ) لِلْإِطْلَاقِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْكِنُ حَدَّادًا وَلَا قَصَّارًا وَلَا طَحَّانًا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا)؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً.

يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا لِهَذَا الْإِطْلَاقِ سِوَى مَا يُوهِنُ الْبِنَاءَ لِتَحَقُّقِ الضَّرَرِ الظَّاهِرِ فِيهِ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلِ بِصَرْفِ الْعُرْفِ مُطْلَقَ الْعَمَلِ إلَى أَعْمَالِ السُّكْنَى وَبَيْنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ السُّكْنَى لِإِطْلَاقِ عَمَلِ السُّكْنَى نَظَرًا إلَى أَنْوَاعِهِ وَأَصْنَافِهِ وَعَدَمِ التَّفَاوُتِ فِيهِ فَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ فِي التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ.

وَأَمَّا شَطْرُهُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لَا يَضُرُّ الْبِنَاءَ يَسْتَحِقُّهُ مُسْتَأْجِرُ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ بِدُونِ الْمَصِيرِ إلَى أَنَّ الْمُتَعَارَفَ فِيهَا هُوَ السُّكْنَى لَزِمَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعَمَلَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السُّكْنَى أَيْضًا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، بَلْ صَرَّحُوا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ بِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ بِالْعُرْفِ إلَى عَمَلِ السُّكْنَى، وَهُوَ لَا يَتَفَاوَتُ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَقَالُوا: إنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعَمَلِ، وَالِانْتِفَاعِ يَتَنَاوَلُ عَمَلَ السُّكْنَى وَغَيْرَهُ فَيَتَفَاوَتُ فَلَا يَكُونُ بُدٌّ مِنْ الْبَيَانِ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ كَمَا فِي اسْتِئْجَارِ الْأَرَاضِيِ لِلزِّرَاعَةِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ فَصَحَّ الْعَقْدُ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: هَذَا جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ سَلَّمْنَا أَنَّ السُّكْنَى مُتَعَارَفٌ، وَلَكِنْ قَدْ تَتَفَاوَتُ السُّكَّانُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا مِسَاسَ لِهَذَا السُّؤَالِ بِالْمَقَامِ، إذْ الْكَلَامُ فِي عَدَمِ وُجُوبِ بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا لَا فِي بَيَانِ مَنْ يَسْكُنُ انْتَهَى. أَقُولُ: لَعَلَّ لَفْظَ السُّكَّانِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَقَعَ سَهْوًا مِنْ الْكَاتِبِ بَدَلًا مِنْ لَفْظِ السُّكْنَى، فَحِينَئِذٍ مِسَاسُ السُّؤَالِ بِالْمَقَامِ ظَاهِرٌ. وَأَمَّا عَلَى مَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ فَالْمُرَادُ لَكِنْ قَدْ تَتَفَاوَتُ السُّكْنَى بِتَفَاوُتِ السُّكَّانِ فِي الْعَمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا يُعْمَلُ فِيهَا، وَلَمَّا كَانَ تَفَاوُتُ السُّكَّانِ فِي الْعَمَلِ سَبَبًا لِتَفَاوُتِ نَفْسِ الْعَمَلِ الَّذِي هُوَ السُّكْنَى اكْتَفَى بِذِكْرِ تَفَاوُتِ السُّكَّانِ قَصْرًا لِلْمَسَافَةِ، وَيُرْشِدُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: وَوَجْهُهُ: يَعْنِي وَجْهَ الْجَوَابِ أَنَّ السُّكْنَى لَا تَتَفَاوَتُ، وَمَا لَا يَتَفَاوَتُ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَيَصِحُّ. انْتَهَى.

حَيْثُ قَالَ إنَّ السُّكْنَى لَا تَتَفَاوَتُ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّ السُّكَّانَ لَا يَتَفَاوَتُونَ، تَدَبَّرْ تَرْشُدْ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَلِأَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ، وَهَكَذَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَلِهَذَا قَالَ: هَذَا جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ سَلَّمْنَا أَنَّ السُّكْنَى مُتَعَارَفٌ إلَخْ. أَقُولُ: كَلَامُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْعِنَايَةِ لَمْ يُصْحِحْ تِلْكَ النُّسْخَةَ بَلْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا قَطُّ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ جَعْلَ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هَذَا جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ لَا يَدُلُّ عَلَى نُسْخَةٍ، وَلِأَنَّهُ بَلْ يَأْبَاهَا إذْ مُقْتَضَى هَذِهِ النُّسْخَةِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَذَا دَلِيلًا آخَرَ مُسْتَقِلًّا، وَاَلَّذِي يَكُونُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ مُتَمِّمَاتِ مَا قَبْلَهُ فَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: وَلِهَذَا قَالَ هَذَا جَوَابٌ عَمَّا عَسَى أَنْ يُقَالَ إلَخْ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي لَفْظِ الْعِنَايَةِ بِصَدَدِ الشَّرْحِ عِبَارَةُ هَذِهِ النُّسْخَةِ لَا غَيْرُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا، بَلْ الْمَذْكُورُ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِ الْعِنَايَةِ عِبَارَةُ وَأَنَّهُ بِدُونِ اللَّامِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِنُ الْبِنَاءَ فَيَتَقَيَّدُ الْعَقْدُ بِمَا وَرَاءَهَا دَلَالَةً) أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَعْمَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>