لِأَنَّ الرِّطَابَ أَضَرُّ بِالْأَرْضِ مِنْ الْحِنْطَةِ لِانْتِشَارِ عُرُوقِهَا فِيهَا وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَى سَقْيِهَا فَكَانَ خِلَافًا إلَى شَرٍّ فَيَضْمَنُ مَا نَقَصَهَا (وَلَا أَجْرَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لِلْأَرْضِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ.
قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ إلَى خَيَّاطٍ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ قَمِيصًا بِدِرْهَمٍ فَخَاطَهُ قَبَاءً، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقَبَاءَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ دِرْهَمًا) قِيلَ: مَعْنَاهُ الْقَرْطَفُ الَّذِي هُوَ ذُو طَاقٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَمِيصِ، وَقِيلَ هُوَ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضَمِّنُهُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْقَبَاءَ خِلَافُ جِنْسِ الْقَمِيصِ.
وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ قَمِيصٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يُشَدُّ وَسَطُهُ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَا يُشَدُّ وَيُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعُ الْقَمِيصِ فَجَاءَتْ الْمُوَافَقَةُ وَالْمُخَالَفَةُ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لِقُصُورِ جِهَةِ الْمُوَافَقَةِ، وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الدِّرْهَمَ الْمُسَمَّى كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ خَاطَهُ سَرَاوِيلَ وَقَدْ أَمَرَ بِالْقَبَاءِ قِيلَ يَضْمَنُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْمَنْفَعَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُخَيَّرُ لِلِاتِّحَادِ فِي أَصْلِ الْمَنْفَعَةِ، وَصَارَ كَمَا إذَا أُمِرَ بِضَرْبِ طَسْتٍ مِنْ شَبَّةٍ فَضَرَبَ مِنْهُ كُوزًا، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ كَذَا هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ
قَالَ: (الْإِجَارَةُ تُفْسِدُهَا الشُّرُوطُ كَمَا تُفْسِدُ الْبَيْعَ)؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَقْدٌ يُقَالُ وَيُفْسَخُ (وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ اعْتِبَارًا بِبَيْعِ الْأَعْيَانِ.
إلَّا إذَا جَعَلَ ذَلِكَ مِثَالًا لِلْمُخَالَفَةِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الِانْبِسَاطِ وَعَدَمِهِ. اهـ. وَقَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ نَقْلِ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: قُلْتُ: لَيْسَ فِيهِ عَكْسٌ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ قَدْرُ وَزْنِ الْحِنْطَةِ الْمَشْرُوطَةِ لَا يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ مَا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ وَهَذَا ظَاهِرٌ. اهـ.
أَقُولُ: بَلْ فَسَادُ كَلَامِهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ يُنَافِي مَا ادَّعَاهُ، فَإِنَّ الْحَدِيدَ الَّذِي هُوَ قَدْرُ وَزْنِ الْحِنْطَةِ الْمَشْرُوطَةِ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ قَدْرَ مَا تَأْخُذُهُ الْحِنْطَةُ الْمَشْرُوطَةُ تَعَيَّنَ الْعَكْسُ حَيْثُ كَانَ مَا حَمَلَهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الدَّابَّةِ وَهُوَ الْحَدِيدَ أَقَلَّ انْبِسَاطًا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مِمَّا شَرَطَهُ لَهُ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ الْحِنْطَةُ، وَقَدْ كَانَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَا وَضَعَهُ الْمُكْتَرِي عَلَى الْحِمَارِ، وَهُوَ الْإِكَافُ أَكْثَرُ انْبِسَاطًا مِمَّا عَيَّنَ لَهُ فِي الْعَقْدِ وَهُوَ السَّرْجُ، وَهُوَ عَكْسُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ.
(بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ)
تَأْخِيرُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ عَنْ صَحِيحِهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْذِرَةٍ؛ لِوُقُوعِهَا فِي مَحَلِّهَا كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَالْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى) قَالَ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ: أَيْ الْوَاجِبُ فِيهَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَمِنْ الْمُسَمَّى، وَقَالُوا: هَذَا الْحُكْمُ