للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَانَ مُخَالِفًا كَمَا إذَا حَمَلَ الْحَدِيدَ وَقَدْ شَرَطَ لَهُ الْحِنْطَةَ.

قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حَمَّالًا لِيَحْمِلَ لَهُ طَعَامًا فِي طَرِيقِ كَذَا فَأَخَذَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِهِ يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ الْمَتَاعُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الطَّرِيقَيْنِ تَفَاوُتٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ التَّقْيِيدَ غَيْرُ مُفِيدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ تَفَاوُتٌ يَضْمَنُ لِصِحَّةِ التَّقْيِيدِ فَإِنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّفَاوُتِ إذَا كَانَ طَرِيقًا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَلَمْ يُفَصِّلْ (وَإِنْ كَانَ طَرِيقًا لَا يَسْلُكُهُ النَّاسُ فَهَلَكَ ضَمِنَ)؛ لِأَنَّهُ صَحَّ التَّقْيِيدُ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ)؛ لِأَنَّهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ مَعْنًى، وَإِنْ بَقِيَ صُورَةً. قَالَ: (وَإِنْ حَمَلَهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا يَحْمِلُهُ النَّاسُ فِي الْبَرِّ ضَمِنَ) لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (وَإِنْ بَلَغَ فَلَهُ الْأَجْرُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَارْتِفَاعِ الْخِلَافِ مَعْنًى.

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا؛ لِيَزْرَعَهَا حِنْطَةً فَزَرَعَهَا رُطَبَةً ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا)

الْمَنْفَعَةِ لَهُ فِي النَّقْلِ، فَأَمَّا يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ يَدُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ فِي اسْتِمْسَاكِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي اسْتِمْسَاكِ الْعَيْنِ نَفْعٌ لَمَا اخْتَارَ اسْتِمْسَاكَ الْعَيْنِ عَلَى مَا لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ. اهـ.

وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ ذَكَرَ طَعْنَ عِيسَى بْنِ أَبَانَ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَعَزَاهُ فِي الْكِفَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ. وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ: قِيلَ إلْحَاقُ الْإِعَارَةِ بِالْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ وَكَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ وَعَكْسُهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ لِثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمَالِكِ حَيْثُ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودِعِ، وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّحَادَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَرْفَعُ التَّعَدُّدَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَفْرِقَةٍ؛ لِيَتَحَقَّقَ الْإِلْحَاقُ، وَالِاتِّحَادُ فِي الْمَنَاطِ كَافٍ لِلْإِلْحَاقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ، فَإِنَّ الْمَنَاطَ هُوَ التَّجَاوُزُ عَنْ الْمُسَمَّى مُتَعَدِّيًا ثُمَّ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ الْحِفْظُ فِيهِ مَقْصُودًا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِيهِمَا لَا مَحَالَةَ. اهـ.

أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الِاتِّحَادَ فِي الْمَنَاطِ الْمَزْبُورِ غَيْرُ كَافٍ لِلْإِلْحَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الطَّعْنِ، بَلْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مَنَاطًا لِلْإِلْحَاقِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ، فَإِنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ كَانَ كَيَدِ الْمَالِكِ كَانَ تَعَدِّي الْمُسْتَأْجِرِ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ الْمُسَمَّى فِي حُكْمِ تَعَدِّي الْمَالِكِ فِي مَالِ نَفْسِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُسْتَأْجِرُ شَيْئًا بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَتِمُّ إلْحَاقُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَالْعَارِيَّةِ بِالْأُخْرَى. فَالصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ مَنْعُ ثُبُوتِ التَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ بِمَنْعِ دَلَالَةِ مَا ذَكَرَ فِي الطَّعْنِ عَلَى كَوْنِ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمَالِكِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَسَائِرِ الشُّرُوحِ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا حَمَلَ الْحَدِيدَ وَقَدْ شَرَطَ لَهُ الْحِنْطَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمِثَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>