لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْإِذْنُ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ مُخَالِفًا (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ لَا يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ) لِمَا قُلْنَا فِي السَّرْجِ، وَهَذَا أَوْلَى (وَإِنْ أَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: يَضْمَنُ بِحِسَابِهِ)؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُوكَفُ بِمِثْلِهِ الْحُمُرُ كَانَ هُوَ وَالسَّرْجُ سَوَاءٌ فَيَكُونُ الْمَالِكُ رَاضِيًا بِهِ، إلَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى السَّرْجِ فِي الْوَزْنِ فَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالزِّيَادَةِ فَصَارَ كَالزِّيَادَةِ فِي الْحَمْلِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْإِكَافَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ السَّرْجِ؛ لِأَنَّهُ لِلْحَمْلِ، وَالسَّرْجُ لِلرُّكُوبِ، وَكَذَا يَنْبَسِطُ أَحَدُهُمَا عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ مَا لَا يَنْبَسِطُ عَلَيْهِ الْآخَرُ
ذَلِكَ الْحَصْرُ عَلَى الْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ دُونَ الْحَقِيقِيِّ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا بِالْعَوْدِ، فَلَا يُنَافِيهِ جَوَازُ أَنْ تَحْصُلَ الْبَرَاءَةُ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَقَصَدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يُجِيبَ عَمَّا يَرِدُ عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: لَا يُقَالُ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْحَصْرُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ لِظُهُورِ صِحَّتِهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ. نَعَمْ قَدْ يَكُونُ الْمُسْتَأْجِرُ الَّذِي فَعَلَ مَا فَعَلَ مُسْتَأْجِرًا مِنْ غَاصِبِ الدَّابَّةِ فَتَدَبَّرْ. اهـ كَلَامُهُ.
أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِمُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ، وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ فِي حَيِّزِ الْكُبْرَى مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُسْتَأْجِرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ غَاصِبٌ بِمُجَاوَزَةِ الْحِيرَةِ، وَكُلُّ غَاصِبٍ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ فَهُوَ لَا يَبْرَأُ عَنْهُ إلَّا بِأَحَدِهِمَا، وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا شَيْءٌ مِنْهُمَا، فَظُهُورُ صِحَّةِ الْحَصْرِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ لَا يُفِيدُ صِحَّتَهُ بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّيَّةِ الْكُبْرَى، وَالْكَلَامِ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ مُرَادُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ مُطْلَقًا لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمَا كَانَ لِلنَّقْضِ بِغَاصِبِ الْغَاصِبِ إذَا رَدَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى الْغَاصِبِ مِسَاسٌ بِكَلَامِهِ فَلَا يَكُونُ لِذِكْرِهِ وَجَوَابِهِ عَنْهُ وَجْهٌ.
فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ حِينَئِذٍ بِغَاصِبِ الْغَاصِبِ فِي النَّقْضِ هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ الَّذِي اسْتَأْجَرَ مِنْ غَاصِبِ الدَّابَّةِ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ الْغَاصِبُ لَا غَاصِبَ الْغَاصِبِ مُطْلَقًا فَيَكُونُ لِلنَّقْضِ الْمَزْبُورِ مِسَاسٌ بِكَلَامِهِ أَيْضًا. قُلْنَا: فَلَا يَصِحُّ الْحَصْرُ الْمَزْبُورُ إذْ ذَاكَ بِالنَّظَرِ إلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَيْضًا فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ. فَالْمُخَلِّصُ فِي الْجُمْلَةِ لِتَصْحِيحِ مَا فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا هُوَ حَمْلُ الْحَصْرِ عَلَى الْقَصْرِ الْإِضَافِيِّ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْتَ: إلْحَاقُ الْإِجَارَةِ بِالْعَارِيَّةِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِمَا أَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمَالِكِ حَتَّى يَرْجِعَ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودِعِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ، وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الَّذِي تَشَبَّثَ بِهِ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِي الطَّعْنِ فِي جَوَابِ الْكِتَابِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: رُجُوعُهُ بِالضَّمَانِ لِلْغُرُورِ الْمُتَمَكِّنِ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَدَهُ لَيْسَ كَيَدِ نَفْسِهِ كَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْغُرُورِ، وَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute