صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ انْتَقَلَ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَاسِدٌ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ، إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ إذَا دَخَلَتْ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ تَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ فَكَانَ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ مَعْلُومًا
أَنْوَاعِهَا، وَهِيَ مَا فَسَدَ لِجَهَالَةِ الْمُسَمَّى، وَمَا فَسَدَ لِعَدَمِ التَّسْمِيَةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا فَسَدَ بِالشُّيُوعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَتْرُوكُ الذِّكْرِ بِالْكُلِّيَّةِ غَيْرُ مُبَيَّنٍ أَصْلًا لَا فِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَلَا فِي الْبِدَايَةِ وَلَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَهَذَا مِمَّا لَا تَقْبَلُهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ. وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ إنْ انْدَفَعَ بِجَعْلِ اللَّامِ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لِلْعَهْدِ مَا قِيلَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ، يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ مِنْ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ بِالشُّرُوطِ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْأَقَلُّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَمِنْ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ فِيهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ حَانُوتًا سَنَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَرُمَّهَا الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ هُنَاكَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، صَرَّحَ بِهِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ فَيَنْتَقِضُ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ: الْوَاجِبُ فِي الْإِجَارَةِ الَّتِي فَسَدَتْ بِالشُّرُوطِ الْأَقَلُّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى. ثُمَّ أَقُولُ: الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ اللَّامَ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ لِلْعَهْدِ كَمَا زَعَمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، بَلْ هُوَ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ الْجِنْسِ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ فَسَادُ الْإِجَارَةِ بِسَبَبِ شَرْطٍ فَاسِدٍ لَا بِاعْتِبَارِ جَهَالَةِ الْمُسَمَّى وَلَا بِاعْتِبَارِ عَدَمِ التَّسْمِيَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الشُّرَّاحِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ هُنَاكَ مُسَمًّى مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ مُجَاوَزَةَ الْمُسَمَّى إنَّمَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ. فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَجْرٌ مُسَمًّى أَوْ كَانَ الْمُسَمَّى مَجْهُولًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَاوَزَ الْمُسَمَّى بِشَيْءٍ أَصْلًا لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْمُجَاوَزَةَ تَقْتَضِي الْحَدَّ الْمَعْلُومَ فَيَلْغُو أَنْ يُقَالَ هُنَاكَ: لَا يُجَاوَزُ الْمُسَمَّى بِأَجْرِ الْمِثْلِ.
فَصَارَ مُلَخَّصُ الْمَعْنَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَجْرُ الْمِثْلِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مُسَمًّى مَعْلُومٌ فَحِينَئِذٍ لَا يُجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى بَلْ يَجِبُ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا، فَعُلِمَ مِنْهُ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مُطْلَقًا وَهُوَ وُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسَمًّى مَعْلُومٌ، وَوُجُوبُ الْأَقَلِّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَمِنْ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ هُنَاكَ مُسَمًّى مَعْلُومٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّرَّاحَ جَعَلُوا وُجُوبَ الْأَقَلِّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَمِنْ الْمُسَمَّى مَعْنَى مَجْمُوعِ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فَوَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا، وَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ مَعْنَى آخِرَ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ: لَا يُجَاوَزُ الْمُسَمَّى وَأَبْقَى أَوَّلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ وُجُوبُ عَيْنِ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فَعَلْنَاهُ كَانَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مُطْلَقًا مُسْتَوْفًى بِالْكُلِّيَّةِ فِي الْكِتَابِ، وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ الْمَحْذُورَاتِ، فَتَأَمَّلْ وَكُنْ الْحَاكِمَ الْفَيْصَلَ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ فَاسِدٌ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ: فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَ فَاسِدًا لَجَازَ الْفَسْخُ فِي الْحَالِ: قُلْت: الْإِجَارَةُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُضَافَةِ، وَانْعِقَادُ الْإِجَارَةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَقَبْلَ الِانْعِقَادِ كَيْفَ تُفْسَخُ انْتَهَى، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ. أَقُولُ: فِي الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ الْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَّا أَنَّ عَقْدَهَا قَدْ تَحَقَّقَ فِي الْحَالِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَلِمَ لَا يَكْفِي فِي جَوَازِ الْفَسْخِ كَوْنُ الْفَسْخِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَقْدِ، وَقَدْ مَرَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute