للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ، وَإِذَا تَمَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ (وَلَوْ سَمَّى جُمْلَةَ شُهُورٍ مَعْلُومَةٍ جَازَ)؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً. قَالَ (وَإِنْ سَكَنَ سَاعَةً مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي صَحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى أَنْ يَنْقَضِيَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَهْرٍ سَكَنَ فِي أَوَّلِهِ سَاعَةً)؛ لِأَنَّهُ تَمَّ الْعَقْدُ بِتَرَاضِيهِمَا بِالسُّكْنَى فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، إلَّا أَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنْ يَبْقَى الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي وَيَوْمِهَا؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْأَوَّلِ بَعْضَ الْحَرَجِ.

قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ الْأُجْرَةِ)؛ لِأَنَّ الْمُدَّةَ مَعْلُومَةٌ بِدُونِ التَّقْسِيمِ فَصَارَ كَإِجَارَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قِسْطَ كُلِّ يَوْمٍ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِمَّا سَمَّى

فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ مُطْلَقًا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حَسْبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ، فَقَالُوا فِي تَوْجِيهِ تَرَاخِي الِانْعِقَادِ إلَى حُدُوثِ الْمَنَافِعِ سَاعَةً فَسَاعَةً مَعَ وُجُودِ عِلَّتِهِ فِي الْحَالِ، وَهِيَ الْعَقْدُ أَنَّ الِانْعِقَادَ حُكْمُ الشَّرْعِ، وَالْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ تُغَايِرُ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ فِي جَوَازِ انْفِكَاكِهَا مِنْ مَعْلُولَاتِهَا، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْفَسْخُ قَبْلَ أَوَانِ الِانْعِقَادِ، وَلَمْ يَكْفِ كَوْنُهُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الِانْعِقَادِ لَمَا جَازَ فَسْخُ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ أَيْضًا بِعُذْرٍ أَوْ عَيْبٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ بِتَمَامِهَا، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَحْدُثْ جُزْءٌ مِنْ الْمَنَافِعِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّهِ فَيَلْزَمُ الْفَسْخُ قَبْلَ الِانْعِقَادِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي جَوَازِ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً.

وَسَيَجِيءُ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَمَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ لِانْتِهَاءِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ: وَفِي الْأَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ آخَرَ دَارًا كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ هَذَا جَائِزٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ، فَإِنْ سَكَنَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَزِمَهُ الْإِجَارَةُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي. وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَةُ الْمَشَايِخِ فِي تَخْرِيجِ الْمَسْأَلَةِ. بَعْضُهُمْ قَالَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ جَائِزٌ أَنَّ الْإِجَارَةَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ جَائِزَةٌ، فَأَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الشُّهُورِ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي، وَلَمْ يَفْسَخْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْإِجَارَةَ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الثَّانِيَ صَارَ كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا، بَلْ الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ كَمَا جَازَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا جَازَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا وَرَاءَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً لِتَعَامُلِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مُنْكِرٍ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ جَائِزَةً فِيمَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ الْأَوَّلِ لِنَوْعِ ضَرُورَةِ بَيَانِهَا أَنَّ مَوْضُوعَ الْإِجَارَةِ أَنْ لَا تُزِيلَ الرَّقَبَةَ عَنْ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ وَلَا تَجْعَلَهَا مِلْكًا لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ الشَّهْرِ لَزَالَ رَقَبَةُ الْمُسْتَأْجِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>