للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عَنْ مِلْكِ الْمُؤَجِّرِ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ سُكْنَاهَا وَلَا بَيْعَهَا وَلَا هِبَتَهَا أَبَدَ الدَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِجُمْلَةِ الشُّهُورِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْمُضِيِّ فِي رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ جَارِيَةً فِي الشَّهْرِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ.

وَقَالَ: إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ بَعْدَ هَذَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ إمْكَانِ الْفَسْخِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا؛ لِأَنَّ رَأْسَ الشَّهْرِ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السَّاعَةِ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ فَكُلَّمَا أَهَلَّ الْهِلَالُ مَضَى رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمُضِيِّ وَقْتَ الْخِيَارِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ.

وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَحَدُ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُرِيدُ الْفَسْخَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَسَخْتُ الْإِجَارَةَ فَيَتَوَقَّفُ هَذَا الْفَسْخُ إلَى انْقِضَاءِ الشَّهْرِ، وَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ وَأَهَلَّ الْهِلَالُ عَمِلَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ عَمَلَهُ وَنَفَذَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي وَقْتِهِ، وَالْفَسْخُ إذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي وَقْتِهِ يَتَوَقَّفُ إلَى وَقْتِ نَفَاذِهِ، وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ الْبَلْخِيّ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْبُيُوعِ: اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَحُمَّ الْعَبْدُ وَفَسَخَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْفُذْ هَذَا الْفَسْخُ، بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ تَزُولَ الْحُمَّى فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَقَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ: رَبُّ الْمَالِ إذَا فَسَخَ الْمُضَارَبَةَ وَقَدْ صَارَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ عُرُوضًا لَمْ يَنْفُذْ الْفَسْخُ لِلْحَالِ بَلْ يَتَوَقَّفُ إلَى أَنْ يَصِيرَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ فَيَنْفُذُ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ، كَذَا هَاهُنَا، أَوْ يَقُولَ: الَّذِي يُرِيدُ الْفَسْخَ فِي خِلَالِ الشَّهْرِ فَسَخْتُ الْعَقْدَ رَأْسَ الشَّهْرِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ، وَيَكُونُ هَذَا فَسْخًا مُضَافًا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ يَصِحُّ مُضَافًا، فَكَذَا فَسْخُهُ يَصِحُّ مُضَافًا أَوْ يَفْسَخُ الَّذِي يُرِيدُ الْفَسْخَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ وَيَوْمِهَا، وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: لَمْ يُرِدْ مُحَمَّدٌ بِقَوْلِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ رَأْسَ الشَّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ، وَهُوَ السَّاعَةُ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ رَأْسَ الشَّهْرِ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ أَوْ يَوْمُهَا وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ لَيَقْضِيَنَّ حَقَّ فُلَانٍ رَأْسَ الشَّهْرِ فَقَضَاهُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي يَهُلُّ فِيهَا الْهِلَالُ أَوْ فِي يَوْمِهَا لَمْ يَحْنَثْ اسْتِحْسَانًا، إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُحِيطِ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ بِنَوْعِ إجْمَالٍ مِنْهُ.

أَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنْ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ مِمَّا لَا يُسَاعِدُهُ عِبَارَةُ الْأَئِمَّةِ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ فِي رَأْسِ الشَّهْرِ. وَالْإِمَامُ قَاضِي خَانٍ قَالَ فِي فَتَاوَاهُ: رَجُلٌ آجَرَ دَارِهِ أَوْ حَانُوتَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ عِنْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ، وَالْمُصَنِّفُ قَالَ هَاهُنَا، وَإِذَا تَمَّ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْعِبَارَاتِ أَنْ يَكُونَ ثُبُوتُ خِيَارِ الْفَسْخِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَدُخُولِ رَأْسِ الشَّهْرِ الثَّانِي لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَدَلَالَةُ ذَيْنِك الطَّرِيقَيْنِ عَلَى أَنْ يَثْبُتَ لَهُمَا خِيَارُ الْفَسْخِ فِي خِلَالِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ قَبْلَ تَمَامِهِ. وَأَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ نَفَاذُ الْفَسْخِ وَتَأْثِيرُهُ فِي ذَيْنِك الطَّرِيقَيْنِ أَيْضًا عِنْدَ أَنْ يَنْقَضِيَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ، وَأَهَلَّ هِلَالُ الشَّهْرِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ التَّكَلُّمُ بِالْفَسْخِ فِيهِمَا فِي خِلَالِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْعِبَارَاتُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ظُهُورَ أَثَرِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَدُخُولِ رَأْسِ الشَّهْرِ الثَّانِي. هَذَا غَايَةُ مَا يُمْكِنُ فِي تَوْجِيهِ الطَّرِيقَيْنِ الْمَزْبُورَيْنِ، وَإِنْ كَانَ يَنْبُو عَنْهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. ثُمَّ إنَّ الْإِمَامَ الزَّيْلَعِيَّ رَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَيْضًا لِتَعَامُلِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مُنْكِرٍ، إلَّا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارَ الْفَسْخِ رَأْسَ كُلِّ شَهْرٍ لِنَوْعِ ضَرُورَةٍ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَيْضًا لِتَعَامُلِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلدَّلِيلِ لَا يُعْتَبَرُ. انْتَهَى.

أَقُولُ: بَلْ لَا مَعْنَى لِمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ إذَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مُنْكِرٍ فَقَدْ حَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَقَعَ كَذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ بِجَوَازِ الْعَقْدِ فِي كُلِّ الشُّهُورِ، وَالْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ وَالدَّلِيلُ الَّذِي خَالَفَهُ التَّعَامُلُ هَاهُنَا إنَّمَا هُوَ كَوْنُ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ مُفْسِدَةً لِلْعَقْدِ، وَهُوَ مُوجِبُ الْقِيَاسِ، وَالْقِيَاسُ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ أَصْلًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْقَطْعِيُّ فِي مُقَابَلَتِهِ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْجَهَالَةَ الْمُفْسِدَةَ لِلْعَقْدِ إنَّمَا هِيَ الْجَهَالَةُ الْمُفْضِيَةُ إلَى النِّزَاعِ دُونَ مُطْلَقِ الْجَهَالَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ، وَجَهَالَةُ الْمُدَّةِ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>