للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: (وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ)

مُقَارِنٌ لَا طَارِئٌ فَإِنَّهَا عَقْدٌ مُضَافٌ يُعْقَدُ سَاعَةً فَسَاعَةً فَكَانَ الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ. قُلْت: بَقَاءُ الْإِجَارَةِ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يَكُونُ مُقَارِنًا. اهـ كَلَامُهُ.

وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ جَوَابَهُ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ طَارِئٌ بَلْ هُوَ مُقَارِنٌ؛ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً. أُجِيبَ بِأَنَّ بَقَاءَ الْإِجَارَةِ لَهُ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يَكُونُ مُقَارِنًا. وَقَالَ: وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْغَيْرَ اللَّازِمِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ لِلْبَقَاءِ فِيهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ، عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ هُنَا ابْتِدَاءٌ وَبَقَاءٌ سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ، وَإِنَّمَا الْخَصْمُ يَقُولُ لَا بَقَاءَ لِلْعَقْدِ فِيهَا. اهـ. أَقُولُ: كُلٌّ مِنْ أَصْلِ رَدِّهِ وَعِلَاوَتِهِ فَاسِدٌ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَوْلَ الْمُجِيبِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ نَاظِرٌ إلَى قَوْلِهِ دُونَ وَجْهٍ، أَوْ إلَى مَجْمُوعِ قَوْلِهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ، لَا إلَى قَوْلِهِ مِنْ وَجْهٍ وَحْدَهُ كَمَا تَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَبَنَى عَلَيْهِ رَدَّهُ كَمَا تَرَى، فَمَعْنَى الْجَوَابِ أَنَّ لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ حُكْمَ الِابْتِدَاءِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ، فَإِنَّ الْعَقْدَ الْغَيْرَ اللَّازِمِ يَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِبَقَاءِ الْإِجَارَةِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ مِنْ وَجْهٍ لَمْ يَكُنْ الشُّيُوعُ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يَكُنْ الطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشُّيُوعِ الطَّارِئِ وَالْمُقَارِنِ مِنْ الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَصَاحِبُ الْعِنَايَةِ تَوَهَّمَ الْعَكْسَ حَتَّى طَوَى فِي تَقْرِيرِ الْجَوَابِ قَوْلَ الْمُجِيبِ دُونَ وَجْهٍ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ الْجَوَابَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ دَافِعًا لِلسُّؤَالِ أَصْلًا بَلْ يَكُونُ مُقَوِّيًا لَهُ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ ثُبُوتَ الْبَقَاءِ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مِمَّا لَمْ يُنَازِعْ فِيهِ أَحَدٌ، فَإِنَّ الْأَصْلَ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهَا، وَأَنَّ الْعَقْدَ، وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ الصَّادِرَانِ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَعَ ارْتِبَاطِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَاقٍ شَرْعًا بِبَقَاءِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى السَّلَامَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَجَدَّدُ سَاعَةً فَسَاعَةً هُوَ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ الْحَادِثَةُ شَيْئًا فَشَيْئًا.

وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مَعْلُومًا مِمَّا تَقَرَّرَ فِي صَدْرِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ مُنْكَشِفٌ بِمَا ذُكِرَ هَاهُنَا فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَهُوَ أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ بِأَنْ آجَرَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ أَوْ بِأَنْ آجَرَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْحَيِّ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ خَالِدِ بْنِ صَبِيحٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا بِحَسْبِ حُدُوثِ الْمَنَافِعِ، فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الشُّيُوعِ الْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَبْقَى الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ تَجَدُّدَ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا أَصْلُ الْعَقْدِ فَمُنْعَقِدٌ لَازِمٌ فِي الْحَالِ، وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى الشُّيُوعُ طَارِئٌ وَالشُّيُوعُ الطَّارِئُ لَيْسَ نَظِيرَ الْمُقَارِنِ، كَمَا فِي الْهِبَةِ إذَا، وَهَبَ كُلَّ الدَّارِ وَسَلَّمَهَا ثُمَّ رَجَعَ فِي نِصْفِهَا، انْتَهَى مَا فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ أَيْضًا فَتَنَبَّهْ.

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الظِّئْرِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ إجَارَةِ الظِّئْرِ؛ لِأَنَّهَا تَرِدُ عَلَى اسْتِهْلَاكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>