للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: (وَمَنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ. وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ حِمَارًا يَحْمِلُ طَعَامًا بِقَفِيزٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ)؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَجْرَ بَعْضَ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ثَوْرًا لِيَطْحَنَ لَهُ حِنْطَةً بِقَفِيزٍ مِنْ دَقِيقِهِ.

يَقُولَ فِي الْكِتَابِ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فِي الْمُدَّةِ بِلَبَنِ شَاةٍ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: وَإِنْ أَوْجَرَتْهُ بَدَلَ، وَإِنْ أَرْضَعَتْهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُشَاكَلَةِ بِمُلَابَسَةِ مَسْأَلَةِ اسْتِئْجَارِ الظِّئْر الَّتِي وَظِيفَتُهَا الْإِرْضَاعُ تَأَمَّلْ. فَإِنْ قِيلَ: الظِّئْر أَجِيرٌ خَاصٌّ أَوْ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّهَا أَجِيرٌ خَاصٌّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَبْسُوطِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَلَوْ ضَاعَ الصَّبِيُّ مِنْ يَدِهَا أَوْ وَقَعَ فَمَاتَ أَوْ سُرِقَ مِنْ حُلِيِّ الصَّبِيِّ أَوْ مِنْ ثِيَابِهِ شَيْءٌ لَمْ تَضْمَنْ الظِّئْرُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ، فَإِنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَنَافِعِهَا فِي الْمُدَّةِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ لِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَالْأَجِيرُ الْخَاصُّ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ. اهـ.

وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَجِيرًا خَاصًّا وَأَنْ تَكُونَ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الذَّخِيرَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ آجَرَتْ الظِّئْرُ نَفْسَهَا مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ تُرْضِعُ صِبْيَانَهُمْ، وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَهْلُهَا الْأَوَّلُونَ حَتَّى يَفْسَخُوا هَذِهِ الْإِجَارَةَ فَأَرْضَعَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفَرَغَتْ فَقَدْ أَثِمَتْ، وَهَذِهِ جِنَايَةٌ مِنْهَا وَلَهَا الْأَجْرُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ. اهـ. وَجْهُ الدَّلَالَةِ عَلَى احْتِمَالِهِمَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَجِيرَ وَحْدٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ كَامِلًا وَأَثِمَتْ بِمَا صَنَعَتْهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اسْتَحَقَّتْ الْأَجْرَ كَامِلًا وَلَا تَأْثَمُ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا، فَقُلْنَا بِأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَامِلًا لِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَبِأَنَّهَا تَأْثَمُ لِشَبَهِهَا بِأَجِيرِ الْوَحْدِ. هَذَا زُبْدَةُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَاهُنَا وَاقْتَفَى أَثَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى دَلَالَةِ لَفْظِ الْمَبْسُوطِ عَلَى كَوْنِهَا أَجِيرًا خَاصًّا حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ لَا عَيْنَهُ. انْتَهَى.

أَقُولُ: نَظَرُهُ سَاقِطٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِدَلَالَةِ لَفْظِ الْمَبْسُوطِ عَلَيْهِ دَلَالَةُ قَوْلِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى مَنَافِعِهَا فِي الْمُدَّةِ، وَتَنْوِيرُهُ بِقَوْلِهِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِهِمْ لِمِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّهَا أَجِيرٌ خَاصٌّ؛ لِأَنَّ وُرُودَ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي الْمُدَّةِ وَعَدَمُ جَوَازِ إيجَارِ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ خَوَاصِّ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>