للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ، لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ الْأَجْرِ وَهُوَ بَعْضُ الْمَنْسُوجِ أَوْ الْمَحْمُولِ. إذْ حُصُولُهُ بِفِعْلِ الْأَجِيرِ فَلَا يُعَدُّ هُوَ قَادِرًا بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ،

وَأَمَّا قَوْلُهُ: بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ فَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ لِأَحَدٍ، وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ هِيَ عَيْنُ جِنْسِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ. ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ قَالَ: وَلَعَلَّ الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: إنْ قَدَّمَ الْمُسْتَأْجِرُ ذِكْرَ الْمُدَّةِ بِأَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتُكِ سَنَةً لِتُرْضِعِي وَلَدِي هَذَا تَكُونُ خَاصًّا، وَإِنْ قَدَّمَ ذِكْرَ الْعَمَلِ تَكُونُ مُشْتَرَكًا عَلَى قِيَاسِ مَا قِيلَ فِي اسْتِئْجَارِ الرَّاعِي. اهـ.

أَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ الْجَوَابُ بِتَامٍّ إذْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَتْ الظِّئْرُ أَجِيرًا خَاصًّا عَلَى الثَّبَاتِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمُسْتَأْجِرُ ذِكْرَ الْمُدَّةِ لَمَا اسْتَحَقَّتْ الْأَجْرَ كَامِلًا إذَا آجَرَتْ نَفْسَهَا مِنْ قَوْمٍ آخَرِينَ لِتُرْضِعَ صِبْيَانَهُمْ مَعَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّهُ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ وَلَكِنْ تَأْثَمُ كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَذُكِرَ فِي سَائِرُ الْمُعْتَبَرَاتِ أَيْضًا. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ بَعْدَ بَيَانِ اسْتِحْقَاقِهَا الْأَجْرَ كَامِلًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ: وَهَذَا لَا يُشْكِلُ إذَا قَالَ أَبُو الصَّغِيرَةِ لِلظِّئْرِ اسْتَأْجَرْتُكِ لِتُرْضِعِي وَلَدِي هَذَا سَنَةً بِكَذَا؛ لِأَنَّ الظِّئْرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَوْقَعَ الْعَقْدَ أَوَّلًا عَلَى الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا يُشْكِلُ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا اسْتَأْجَرْتُك سَنَةً لِتُرْضِعِي وَلَدِي هَذَا بِكَذَا؛ لِأَنَّهَا أَجِيرُ وَحْدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الْعَقْدَ عَلَى الْمُدَّةِ أَوَّلًا، وَلَيْسَ لِأَجِيرِ الْوَحْدِ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ مِنْ آخَرَ. وَإِذَا آجَرَ لَا يَسْتَحِقُّ تَمَامَ الْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ وَيَأْثَمُ.

وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أَجِيرَ الْوَحْدِ فِي الرَّضَاعِ يُشْبِهُ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُهُ إيفَاءُ الْعَمَلِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِتَمَامِهِ كَمَا فِي الْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ، ثُمَّ لَوْ كَانَتْ أَجِيرَ وَحْدٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْأَجْرَ كَامِلًا عَلَى الْأَوَّلِ وَتَأْثَمُ بِمَا صَنَعَتْهُ، وَلَوْ كَانَتْ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اسْتَحَقَّتْ الْأَجْرَ كَامِلًا، وَلَمْ تَأْثَمْ فَإِذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا قُلْنَا بِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ كَامِلًا لِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَقُلْنَا بِأَنَّهَا تَأْثَمُ لِشَبَهِهَا بِالْأَجِيرِ الْوَحْدِ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ بِمُجَرَّدِ تَقْدِيمِ الْمُسْتَأْجِرِ ذِكْرَ الْمُدَّةِ لَا يَتِمُّ كَوْنُ الظِّئْرِ أَجِيرَ وَحْدٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَاعْتِبَارِ الشَّبَهَيْنِ كَمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَاخْتَارَهُ الشُّرَّاحُ فِي الْجَوَابِ فَتَبَصَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ يُعْرَفُ بِهِ فَسَادُ كَثِيرٍ مِنْ الْإِجَارَاتِ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ عُرْفُ دِيَارِنَا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ؟ قُلْنَا: لَا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ ثَابِتًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ، وَمِثْلُهُ لَا يُتْرَكُ بِالْعُرْفِ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: سَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ أَطْلَقَ الْقِيَاسَ عَلَى مَا فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَقَالَ يُتْرَكُ بِالْعُرْفِ كَالِاسْتِصْنَاعِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. أَقُولُ: مَا سَيَجِيءُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَذَكَرَ الدَّلِيلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ قَالَ إلَّا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا وَلِظُهُورِ تَعَامُلِ الْأُمَّةِ بِهَا، وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِالتَّعَامُلِ كَمَا فِي الِاسْتِصْنَاعِ. اهـ.

وَلَا يَقْتَضِي

<<  <  ج: ص:  >  >>