للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِيهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. قَالَ (وَلَا يُجَاوِزُ بِالْأَجْرِ قَفِيزًا)؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَالْوَاجِبُ الْأَقَلُّ مَا سَمَّى وَمِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِحَطِّ الزِّيَادَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الِاحْتِطَابِ حَيْثُ يَجِبُ الْأَجْرُ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هُنَاكَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْحَطُّ.

قَالَ: (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخْبِزَ لَهُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ الْمَخَاتِيمَ مِنْ الدَّقِيقِ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ فَهُوَ فَاسِدٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْإِجَارَاتِ: هُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ عَمَلًا وَيَجْعَلُ ذِكْرَ الْوَقْتِ لِلِاسْتِعْجَالِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ فَتَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ. وَلَهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَجْهُولٌ

اهـ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ مَلَكَ الْأَجِيرَ فِي الْحَالِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ وَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ مَمْنُوعَةٌ، إذْ مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْأَجِيرَ ابْتِدَاءً بِمُوجِبِ الْعَقْدِ وَتَسْلِيمِ الْأَجْرِ إلَى الْأَجِيرِ بِالتَّعْجِيلِ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ قَبْلَ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الْأَجِيرَ بِالتَّسْلِيمِ بِسَبَبِ أَنْ صَارَ شَرِيكًا فِي الطَّعَامِ قَبْلَ إيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، بَلْ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا يُؤَدِّي إلَى الثَّانِي.

وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّوْفِيقِ قَطْعًا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي تَعْلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ الْحُمَيْدِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ نِصْفَهُ إلَى بَغْدَادَ بِنِصْفِهِ الْبَاقِي وَدَفَعَ إلَيْهِ فَإِنَّمَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ لِنِصْفِ الْكُرِّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَدَلَ نِصْفُ كُرٍّ مُطْلَقٍ لَا نِصْفُ كُرٍّ مَحْمُولٍ إلَى بَغْدَادَ فَصَارَ بِتَسْلِيمِ الْكُرِّ إلَيْهِ مُعَجِّلًا لِلْأُجْرَةِ فَمَلَكَهَا بِنَفْسِ الْقَبْضِ، وَإِذَا مَلَكَهُ بِالتَّسْلِيمِ بَطَلَ الْعَقْدُ قَبْلَ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا فِي الْكُرِّ قَبْلَ إيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ عَلَيْهِ، وَمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي الْإِجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ، فَلَوْ ابْتَدَأَ الْعَقْدَ عَلَى الْعَمَلِ فِي شَيْءٍ الْعَامِلُ فِيهِ شَرِيكُ الْمُسْتَأْجِرِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، وَإِذَا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ لَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ، كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ الْحُمَيْدِيِّ، إلَى هُنَا لَفْظُ النِّهَايَةِ. وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي مِنْ ذَيْنِك الْإِشْكَالَيْنِ إلَى مَا تَعَسَّفَ فِيهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ حَيْثُ قَالَ: لَعَلَّ مُرَادَهُمْ نَفْيُ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِهِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ، فَقَوْلُهُمْ مَلَكَ الْأَجِيرُ فِي الْحَالِ كَلَامٌ وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: لَوْ وَجَبَ الْأَجْرُ فِي الصُّورَةِ الْمَفْرُوضَةِ لَمَلَكَ الْأَجِيرُ الْأُجْرَةَ فِي الْحَالِ بِالتَّعْجِيلِ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ إذْ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيُفْضِي إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْأَجْرِ، وَكُلُّ لَازِمٍ يُؤَدِّي فَرْضُ وُجُودِهِ إلَى انْتِفَاءِ مَلْزُومِهِ يَكُونُ بَاطِلًا فَكَذَا هَذَا. اهـ كَلَامُهُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَا مِنْ جُزْءٍ يَحْمِلُهُ إلَّا، وَهُوَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِيهِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ فِي كُلِّ جُزْءٍ عَامِلٌ لِغَيْرِهِ أَيْضًا

<<  <  ج: ص:  >  >>