للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَكْرُبَهَا وَيَزْرَعَهَا أَوْ يَسْقِيَهَا وَيَزْرَعَهَا فَهُوَ جَائِزٌ)؛ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْعَقْدِ، وَلَا تَتَأَتَّى الزِّرَاعَةُ إلَّا بِالسَّقْيِ وَالْكِرَابِ. فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحَقًّا. وَكُلُّ شَرْطٍ هَذِهِ صِفَتُهُ يَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَذِكْرُهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ (فَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ يُثَنِّيَهَا أَوْ يُكْرِيَ أَنْهَارَهَا أَوْ يُسَرْقِنَهَا فَهُوَ فَاسِدٌ)؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ. وَمَا هَذَا حَالُهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى بَعْدَ الْمُدَّةِ فَيَصِيرُ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ أَنْ يَرُدَّهَا مَكْرُوبَةً وَلَا شُبْهَةَ فِي فَسَادِهِ. وَقِيلَ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا فِي مَوْضِعٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْمُدَّةُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكْرِي الْأَنْهَارِ الْجَدَاوِلَ بَلْ الْمُرَادُ مِنْهَا الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ. قَالَ: (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْرَعَهَا بِزِرَاعَةِ أَرْضٍ أُخْرَى فَلَا خَيْرَ فِيهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ جَائِزٌ، وَعَلَى هَذَا إجَارَةُ السُّكْنَى بِالسُّكْنَى وَاللُّبْسِ بِاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ بِالرُّكُوبِ.

الرَّاعِي عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مُعْتَبَرَاتِ الْفَتَاوَى بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ هُنَاكَ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا مَنَافِعَ الْأَجِيرِ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى أَصْلِ الْمُدَّعِي فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: وَلِأَنَّ بِالْوَاوِ لِمُنْتَهًى. أَقُولُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ مُؤَجِّرَ الْأَرْضِ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَا هَذَا حَالُهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ عَلَى أَصْلِ الْمُدَّعِي فَالظَّاهِرُ تَرْكُ الْوَاوِ كَمَا وَقَعَ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ، وَهَذَا فِي مَوْضِعٍ تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْمُدَّةُ سَنَةٌ وَاحِدَةٌ) قَالَ الشُّرَّاحُ: إنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ: أَيْ بِالْكِرَابِ مَرَّةً وَبِكَوْنِ الْمُدَّةِ سَنَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ أَنْ يَكْرُبَهَا مَرَّتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ لَا تُخْرِجُ الْأَرْضُ الرِّيعَ إلَّا بِالْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ كَانَتْ تُخْرِجُهُ بِالْكِرَابِ مَرَّةً إلَّا أَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ كَانَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ لَا يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَفِي الثَّانِي لَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فَيَجُوزُ. وَعِبَارَةُ الْعِنَايَةِ: وَالثَّانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>