للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَوْمِ عَلَى التَّأْقِيتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَ الْعَقْدِ لِاجْتِمَاعِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ

لَا يَجْتَمِعُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَسْمِيَتَانِ فَلَا يُنَافِيهِ تَجْوِيزُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا عَرَفْت (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْيَوْمِ عَلَى التَّأْقِيتِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَسَادَ الْعَقْدِ لِاجْتِمَاعِ الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ) فَإِنَّا إذَا نَظَرْنَا إلَى ذِكْرِ الْعَمَلِ كَانَ الْأَجِيرُ مُشْتَرَكًا، وَإِذَا نَظَرْنَا إلَى ذِكْرِ الْيَوْمِ كَانَ أَجِيرَ وَحْدٍ، وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ لِتَنَافِي لَوَازِمِهِمَا، فَإِنَّ ذِكْرَ الْعَمَلِ يُوجِبُ عَدَمَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ مَا لَمْ يَعْمَلْ، وَذِكْرَ الْوَقْتِ يُوجِبُ وُجُوبَهَا عِنْدَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ فِي الْمُدَّةِ، وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ؛ وَلِذَلِكَ عَدَلْنَا عَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ التَّأْقِيتُ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ التَّعْجِيلُ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا.

أَقُولُ: يُشْكِلُ هَذَا بِمَسْأَلَةِ الرَّاعِي فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْعَمَلُ وَالْوَقْتُ، وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يُحْمَلُ الْوَقْتُ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فِي قَوْلِ أَحَدٍ، بَلْ يُعْتَبَرُ الْأَجِيرُ أَجِيرًا مُشْتَرَكًا إنْ وَقَعَ ذِكْرُ الْعَمَلِ أَوَّلًا، وَأَجِيرَ وَحْدٍ إنْ وَقَعَ ذِكْرُ الْمُدَّةِ أَوَّلًا، صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ سِيَّمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ. قَالَ صَاحِبُ الْكَافِي: وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ هَائِلٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ هُنَا حَتَّى أَجَازَ الْعَقْدَ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَخَاتِيمِ جَعَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ فَأَفْسَدَ الْعَقْدَ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ حَقِيقَةٌ لِلتَّوْقِيتِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَهُنَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَجَازِ، وَهُوَ نُقْصَانُ الْأَجْرِ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ فَعَدْلنَا عَنْ الْحَقِيقَةِ وَصِرْنَا إلَى الْمَجَازِ بِهَذَا الدَّلِيلِ، وَلَمْ يَقُمْ مِثْلُ هَذَا الدَّلِيلِ ثَمَّةَ فَكَانَ التَّوْقِيتُ مُرَادًا فَفَسَدَ الْعَقْدُ. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَزَادَ عَلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ سُؤَالًا وَجَوَابًا فَلَخَّصَهُمَا صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ. وَالْجَوَابُ وَرَدَ بِأَنَّ دَلِيلَ الْمَجَازِ قَائِمٌ ثَمَّةَ، وَهُوَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّعْجِيلِ فَيَكُونُ مُرَادًا نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَوَازَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِي حَيِّزِ النِّزَاعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ بِمَوْجُودٍ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ نُقْصَانَ الْأَجْرِ دَلِيلٌ زَائِدٌ عَلَى الْجَوَازِ بِظَاهِرِ الْحَالِ انْتَهَى. أَقُولُ: يُشْكِلُ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ عَنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ بِمَسْأَلَةٍ أُخْرَى مَذْكُورَةٍ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ، وَهِيَ مَا قَالَ فِيهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ خِطْته الْيَوْمَ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْته غَدًا فَلَا أَجْرَ لَك، قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَمَالِي: إنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَلَهُ دِرْهَمٌ: وَإِنْ خَاطَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَهُ أَجْرٌ مِثْلُهُ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْأَجْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يَنْفِي وُجُوبَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَنَفْيُ التَّسْمِيَةِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَا يَنْفِي أَصْلَ الْعَقْدِ فَكَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَقْدًا لَا تَسْمِيَةَ فِيهِ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ. انْتَهَى لَفْظُ الْمُحِيطِ.

فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يُفْسِدْ الْعَقْدَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي هَاتِيك الْمَسْأَلَةِ كَمَا أَفْسَدَهُ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>