للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجْتَمِعُ فِي الْغَدِ تَسْمِيَتَانِ دُونَ الْيَوْمِ، فَيَصِحُّ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَيَجِبُ الْمُسَمَّى، وَيَفْسُدُ الثَّانِي وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلُ لَا يُجَاوَزُ بِهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسَمَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى لَا تَنْعَدِمُ

إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ خِطْته غَدًا فَلَا أَجْرَ لَك لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مَا كَانَ ذِكْرُ الْيَوْمِ حَقِيقَةً فِيهِ، وَهُوَ التَّوْقِيتُ، بَلْ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى إرَادَةِ حَقِيقَةِ ذَلِكَ، إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ التَّوْقِيتَ لَمَا نَفَى الْأَجْرَ بِالْكُلِّيَّةِ فِي الْغَدِ، وَإِذَا كَانَ التَّوْقِيتُ مُرَادًا بِذِكْرِ الْيَوْمِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمَخَاتِيمِ جِدًّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَاسْتَشْكَلَ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا بُدَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ بَيَانِ دَلِيلِ الْمَجَازِ فِيمَا إذَا قِيلَ خِطْهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ حَيْثُ حَمَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ عَلَى التَّعْجِيلِ. وَقَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ صِيغَةَ الْأَمْرِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْخِيَاطَةِ مَطْلُوبَةً فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الْيَوْمِ لِلتَّأْقِيتِ، وَقَالَ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ انْتَهَى.

أَقُولُ: لَا يُتَوَجَّهُ هَذَا الِاسْتِشْكَالُ رَأْسًا إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَ ذِكْرَ الْيَوْمِ عَلَى التَّعْجِيلِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ ذِكْرِ الْوَقْتِ وَذِكْرِ الْعَمَلِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ حَالَةَ الْإِفْرَادِ. وَإِنِّي تَتَبَّعْت عَامَّةَ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَلَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الصُّورَةِ الْمَزْبُورَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ وَجَدْت فِي بَعْضٍ مِنْهَا التَّصْرِيحَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ الزَّاهِدِيَّ قَالَ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَقْطَعِ: وَلَوْ قَالَ خِطْ هَذَا الثَّوْبَ الْيَوْمَ وَلَك دِرْهَمٌ لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَنَّهُ الْمُدَّةُ أَوْ الْعَمَلُ انْتَهَى. نَعَمْ قَدْ قِيلَ فِي الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرُوحِ فِي أَثْنَاءِ بَيَانِ دَلِيلِ زُفَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا تَوْضِيحًا لِقَوْلِهِ إنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ، وَلِهَذَا لَوْ أَفْرَدَ الْعَقْدَ فِي الْيَوْمِ بِأَنْ قَالَ خِطْهُ الْيَوْمَ بِدِرْهَمٍ كَانَ لِلتَّعْجِيلِ لَا لِلتَّوْقِيتِ، حَتَّى لَوْ خَاطَهُ فِي الْغَدِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ فَكَذَا هَاهُنَا انْتَهَى. لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ فِي دَلِيلِ زُفَرَ إنَّمَا يَنْتَهِضُ حُجَّةً عَلَى الْإِمَامَيْنِ. فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ بِالتَّعْجِيلِ حَالَةَ الْإِفْرَادِ لَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: لَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ وَلَا يُنْتَقَصُ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى لَا تَنْعَدِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>