وَفِيمَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَتِهِ يُعْتَقُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْبَدَلُ.
وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْعَقْدِ فِيهِ وَأَثَرُ الْجَهَالَةِ فِي الْفَسَادِ،
بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ مَطْلَبٌ مَقْصُودٌ بِالْبَيَانِ هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى.
أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ هُوَ النُّقْصَانُ عَنْ الْمُسَمَّى فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُطَابِقَ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى وَأَنْ لَا يُفِيدَهُ، إذْ لَا يَسْتَدْعِي عَدَمُ رِضَا الْمَوْلَى بِالنَّقْصِ عَنْ الْمُسَمَّى إلَّا وُجُوبَ الْمُسَمَّى دُونَ وُجُوبِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ هُوَ النُّقْصَانُ عَنْ الْمُسَمَّى وَالْقِيمَةِ جَمِيعًا كَمَا يُفْصِحُ عَنْهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ، لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُسَمَّى أَوْ فِي الْقِيمَةِ، فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ عُدِمَ رِضَاهُ بِالنُّقْصَانِ عَنْ الْمُسَمَّى مِمَّا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فَمَا مَعْنَى تَعْمِيمِ النُّقْصَانِ هَاهُنَا لِلنُّقْصَانِ عَنْ الْمُسَمَّى، فَلَعَلَّ الشَّارِحَ الْمَزْبُورَ إنَّمَا اغْتَرَّ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَتَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَلَكِنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ إلَخْ لَا عَلَى مَجْمُوعِ الدَّلِيلِ فَلَا وَجْهَ لِلِاغْتِرَارِ بِذَلِكَ أَيْضًا.
وَأَمَّا الثَّانِي: أَيْ أَنَّهُ غَيْرُ تَامٍّ فِي نَفْسِهِ فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمُسَمَّى أَوْ فِي الْقِيمَةِ مَمْنُوعٌ، كَيْفَ وَتَنْصِيصُ الْمَوْلَى عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مُسَمًّى دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِهِ قَطْعًا سَوَاءٌ كَانَ نَاقِصًا عَنْ الْقِيمَةِ أَمْ لَا، فَمَا يُخَالِفُ رِضَاهُ إنَّمَا هُوَ النُّقْصَانُ عَنْ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ، وَلَئِنْ سَلِمَ فَيُنْتَقَضُ بِالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا كَانَ الْبَدَلُ الْمُسَمَّى فِيهَا أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ هُنَاكَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسَمَّى مِنْ الْقِيمَةِ قَطْعًا مَعَ جَرَيَانِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ تَعْمِيمِ النُّقْصَانِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ لِلنُّقْصَانِ الْكَائِنِ فِي الْمُسَمَّى وَفِي الْقِيمَةِ تَأَمَّلْ تَقِفْ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَلَعَلَّ التَّصَوُّرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُسْقِطُ مَا قِيلَ اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ عَيْنِ الْخَمْرِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُ حَقِّهِ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا بِعَدَمِ الرِّضَا بِالزِّيَادَةِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ لَا فِي بَقَائِهِ اهـ.
أَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى ذِي فِطْرَةٍ سَلِيمَةٍ أَنَّ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الرِّضَا بِالزِّيَادَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ ثُبُوتِ الْعِتْقِ لَهُ رَأْسًا لَا بُطْلَانُ حَقِّهِ فِي الْعِتْقِ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهِ كَمَا تَقْتَضِيهِ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ قَوْلُهُ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ بُطْلَانَ حَقِّ شَخْصٍ فِي شَيْءٍ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ أَوَّلًا. وَمَوْرِدُ مَا قِيلَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ أَصْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَكَيْفَ يَسْقُطُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الشَّارِحِ الْمَزْبُورِ: الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ؟ وَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَنْ ذَلِكَ السُّؤَالِ بِوَجْهٍ آخَرَ حَيْثُ قَالُوا: فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ قَوْلِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ وَاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ بَعْدَ وُقُوعِ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْخَمْرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْبُطْلَانَ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ بُطْلَانُ حَقِّهِ فِي الْعِتْقِ؟ قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي يَرَى صِحَّةَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَهُ عَلَى الْخَمْرِ وَلَمْ يَقُلْ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَأَدَّى الْخَمْرَ لَا يُعْتَقُ، فَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِتِلْكَ الرِّوَايَةِ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ اهـ.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ عِلَّةً لِعَدَمِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِتِلْكَ الرِّوَايَةِ لَا لِرِضَا الْعَبْدِ بِالزِّيَادَةِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ خِلَافُهُ، وَالْكَلَامُ فِيمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَلَا يَتِمُّ ذَاكَ الْجَوَابُ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ إنَّمَا يَتَمَشَّى فِي صُورَةٍ إنْ لَمْ يَقُلْ الْمَوْلَى لِلْمُكَاتَبِ عَلَى الْخَمْرِ إنْ أَدَّيْتهَا فَأَنْتَ حُرٌّ، لَا فِي صُورَةٍ إنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ، إذْ لَا رِوَايَةَ لِعَدَمِ الْعِتْقِ عِنْدَ أَدَاءِ الْخَمْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا رَأْيَ لِلْقَاضِي فِيهَا مَعَ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ يَعُمُّ الصُّورَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَيَبْقَى السُّؤَالُ فِي صُورَةٍ.
ثُمَّ إنَّ صَاحِبَيْ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ رَدَّا عَلَى الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا حَيْثُ قَالَا: ثُمَّ قَوْلُهُ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ لَا يَصْلُحُ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute