بِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى ثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُعْتَقُ بِأَدَاءِ ثَوْبٍ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ عَلَى مُرَادِ الْعَاقِدِ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الثَّوْبِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ.
قَالَ (وَكَذَلِكَ إنْ كَاتَبَهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ.
يَكُونَ الْعَبْدُ غَيْرَ رَاضٍ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى وَإِنْ بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْعِتْقِ، لِأَنَّ ذَلِكَ نَفْعٌ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ لِأَنَّ تَحَمُّلَ الزِّيَادَةِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عِتْقُهُ نَفْعًا لَهُ اهـ.
أَقُولُ: لَيْسَ ذَاكَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ تَحَمُّلَ الزِّيَادَةِ إنَّمَا يَكُونُ ضَرَرًا عَلَيْهِ لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِهِ عِنْدَ عَدَمِ تَحَمُّلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الرِّقِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّهُ إذَا اخْتَارَ الرِّقَّ يَصِيرُ جَمِيعُ مَا اكْتَسَبَهُ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ، وَيَقْدِرُ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ كَيْفَ يَشَاءُ فَيَحْصُلُ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، فَلَمْ يَظْهَرْ فِي رِضَا الْعَبْدِ بِالزِّيَادَةِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَلَا فِي عَدَمِ رِضَاهُ بِهَا نَفْعٌ لَهُ أَصْلًا. ثُمَّ قَالَا: وَالْأَوْلَى فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا عَقَدَ عَقْدَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ مَعَ مَوْلَاهُ كَانَ قَابِلًا قِيمَةَ نَفْسِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجَبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ أَقْدَمَ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ، ثُمَّ قِيمَةُ نَفْسِهِ قَدْ تَرْبُو عَلَى الْمُسَمَّى فَكَانَ رَاضِيًا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسَمَّى ضَرُورَةً اهـ.
أَقُولُ: وَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّ فِي التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرَاهُ مُصَادَرَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّا بِصَدَدِ أَنْ يَثْبُتَ بِدَلِيلِ أَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ قِيمَةُ نَفْسِ الْعَبْدِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَمِنْ جُمْلَةِ مُقَدِّمَاتِ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ رَضِيَ بِالزِّيَادَةِ، فَلَوْ عَلَّلْنَا هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ بِمَا يُبْتَنَى عَلَى كَوْنِ الْوَاجِبِ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ قِيمَةُ نَفْسِ الْعَبْدِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لَزِمَ الْمُصَادَرَةُ قَطْعًا.
ثُمَّ أَقُولُ: بَقِيَ شَيْءٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِالنُّقْصَانِ إلَخْ دَلِيلٌ شَافٍ مُفِيدٌ لِتَمَامِ الْمُدَّعِي وَهُوَ أَنْ لَا تَنْقُصَ الْقِيمَةُ عَنْ الْمُسَمَّى وَتُزَادَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عِنْدَ هَلَاكِ الْمُبْدَلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُرَى مُسْتَدْرَكًا هَاهُنَا لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ بِالْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ وَلَيْسَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى تَمَامِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا تَنْقُصَ الْقِيمَةُ عَنْ الْمُسَمَّى فَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ فَكَانَ الْأَوْلَى طَرْحُهُ مِنْ الْبَيِّنِ كَمَا فِي الْكَافِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ فِيهِ عَلَى مُرَادِ الْعَاقِدِ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِ الثَّوْبِ فَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ: وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الثَّوْبَ عِوَضٌ وَالْعِوَضُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، وَالْمُطْلَقُ مِنْهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَلَا يَكُونُ مُرَادًا فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَيَّنُ مُرَادًا، وَالِاطِّلَاعُ عَلَى ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ فَلَا يُعْتَقُ بِدُونِ إرَادَتِهِ، بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ مُرَادِهِ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمُطْلَقِ فِي قَوْلِهِ وَالْمُطْلَقُ مِنْهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ فَرَدَّا مُبْهَمًا مِنْ الثَّوْبِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ، إذْ الْإِبْهَامُ إنَّمَا يُنَافِي التَّعْيِينَ لَا الْوُجُودَ فِي الْخَارِجِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ جُزِمَ بِوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنَ خُصُوصِيَّتُهُ عِنْدَنَا وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَفْهُومَهُ الْكُلِّيَّ فَنُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ حِينَئِذٍ قَوْلَهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَيِّنُ مُرَادًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُوَ الْمُبْهَمُ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ بُطْلَانِ هَذَا الِاحْتِمَالِ أَيْضًا. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ لِمَانِعٍ أَنْ يَمْنَعَ إمْكَانَ اسْتِدْرَاكِ مُرَادِهِ بِتَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ فِي صُورَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقِيمَةِ بِنَاءً عَلَى تَقْرِيرِهِ فِي صُورَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الثَّوْبِ، إذْ قَدْ حَكَمَ فِيهِ بِتَعَيُّنِ كَوْنِ الْمُتَعَيِّنِ مُرَادًا وَبِتَعَذُّرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute