للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ.

وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ بِمَالٍ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكُ فِيهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ.

قَالَ (وَإِذَا كَاتَبَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ عَلَى خَمْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ مِقْدَارًا مَعْلُومًا وَالْعَبْدُ كَافِرًا لِأَنَّهَا مَالٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ فِي حَقِّنَا (وَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ فَلِلْمَوْلَى قِيمَةُ الْخَمْرِ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلَّكَهَا، وَفِي التَّسْلِيمِ ذَلِكَ إذْ الْخَمْرُ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيَعْجَزُ عَنْ تَسْلِيمِ الْبَدَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَبَايَعَ الذِّمِّيَّانِ خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا حَيْثُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَعْضُ، لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْكِتَابَةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَاتِب عَلَى وَصِيفٍ وَأَتَى بِالْقِيمَةِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فَجَازَ أَنْ يَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى الْقِيمَةِ، فَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يَنْعَقِدُ

لَمْ يُجَوِّزْ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ فِرْيَةً بِلَا مِرْيَةٍ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا ذَكَرَ قَطُّ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَلَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْعَبْدَ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا، وَأَنَّ مَا يَشْمَلُ أَنْوَاعًا لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِشِرَائِهِ إلَّا بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ، فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: ثُمَّ إنْ كَانَ اللَّفْظُ يَجْمَعُ أَجْنَاسًا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَجْنَاسِ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ، لِأَنَّ بِذَلِكَ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ فَلَا يُدْرَى مُرَادُ الْآمِرِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ، وَإِنْ كَانَ جِنْسًا يَجْمَعُ أَنْوَاعًا لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الثَّمَنِ أَوْ النَّوْعِ، لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ الثَّمَنِ يَصِيرُ النَّوْعُ مَعْلُومًا، وَبِذِكْرِ النَّوْعِ تَقِلُّ الْجَهَالَةُ فَلَا يَمْتَنِعُ الِامْتِثَالُ.

مِثَالُهُ: إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَشْمَلَ أَنْوَاعًا، فَإِنَّ بَيَّنَ النَّوْعَ كَالتُّرْكِيِّ وَالْحَبَشِيِّ وَالْمُوَلَّدِ جَازَ، وَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

فَهَلْ يَتَوَهَّمُ الْعَاقِلُ مِنْ ذَلِكَ الْكَلَامِ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَنَاوَلُ أَجْنَاسًا حَتَّى يَجْعَلَهُ مَدَارًا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا، وَقَدْ سَبَقَ إلَى هَذَا التَّوَهُّمِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ؟ وَلَعَمْرِي إنَّهُ مِنْ الْعَجَائِبِ مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْفُحُولِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْجَوَابَ الْمَزْبُورَ مَعَ ابْتِنَائِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِمَرَاتِبِ الْأَجْنَاسِ الَّذِي هُوَ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ الْمَعْقُولِ دُونَ اصْطِلَاحَاتِ أَهْلِ الْفِقْهِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَقَامَيْنِ: أَيْ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ، أَمَّا هُنَاكَ فَلِمَا عَرَفْت آنِفًا، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ مَا فِي الْجَوَابِ الْمَزْبُورِ لَزِمَهُ أَنْ يُقَيِّدَ بِالْجِنْسِ فِي قَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ الْعَالِي وَالْمُتَوَسِّطِ، إذًا بَيَانُ الْجِنْسِ الْأَسْفَلِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الْجَوَابِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ أَوْ بِمَالٍ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ الْمِلْكُ فِيهِ فَأَشْبَهَ النِّكَاحَ، وَالْجَامِعُ أَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَقَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>